قدم الفنان كريم جوهر برنامج قوي في مسرح الجمهورية لمحبي ومستمعي الموسيقى الشرقية والغربية علي مدى ساعتين، عزف في الجزء الأول عشرة ألحان لأساتذة الموسيقي الشرقية: كمال الطويل، ومحمد عبد الوهاب، وبليغ حمدي، ومحمد فوزي، ومحمد الموجي. والأخوين رحباني بالإضافة إلي فقرة غنائية صاحب فيها المطربة: غنوة شرعان على آلة البيانو، والتي شدت بأغنية “بيني وبينك يا هالليل” من ألحان ألياس رحباني.
وقدم في الجزء الثاني ثمانية ألحان للأساتذة: فريد الأطرش، وبليغ حمدي، ومحمد عبد الوهاب، ومحمد الموجي، وجمال سلامة، وكمال الطويل، وبليغ حمدي.
كما قدم في كل جزء مقطوعة من ألحانه هما: “لحظة المنى” في الجزء الأول، ومقطوعة “حياة” في الجزء الثاني.
عندما يقدم الفنان عمل من الأعمال الناجحة للجمهور، يدرك تماما أنه يجب أن يضيف جديدا فيما يقدمه، وإلا فما الطائل وراء تكبده عناء ذلك. ويدرك أنه في إختبار صعب لإرتباط الجمهور بتلك الأعمال الزائعة الإنتشار، ولأنهم لن يستسيغوا منه أي إضافة ما لم تكن فيها من الإبتكار والجمال ما يزيد من إرتباطهم وتعلقهم بتلك الأعمال.
يجيد جمهور كريم جوهر الإستماع لكل من الموسيقى الشرقية والغربية، لأن تطويع الألحان الشرقية للعزف على آلة البيانو يتطلب استخدام التقنيات الغربية في التوزيع الأوركسترالي والهارموني فضلا عن تعدد الأصوات “كونترابوينت” ليقدم وجبة دسمة لجمهوره.
كنت أعتقد أن لـكريم جوهر وأمثاله من الموسيقين عدد محدود من الجمهور يتنقلون معه إينما قدم أعماله، ولكني بعد تكرار حضور حفلاته على البيانو لاحظت حضور وجوها جديدة من كل الأعمار في كل ريستال يقدمه، مما ينبىْ بأن أعماله تشد آذان المستمعين وأن جمهوره يروج له لدي أصدقائهم ومعارفهم، خاصة في ظل الصمت الأعلامي والأعلاني عن مثل تلك الفاعليات.
وفيما يلي شرح وتحليل ما قدمه كريم جوهر في موسيقي مقدمة أغنية “حبيب العمر” للأستاذ فريد الأطرش (1917 – 1974)، كمثال للمجهود الكبير الذي يبذلة لتطويع موسيقانا الشرقية للعزف على آلة البيانو بالتقنيات الغربية.
لحن “حبيب العمر” لحن بديع لعبت الوتريات وآلات النفخ الخشبية دور بارز في توزيع اللحن الذي قدمه فريد الأطرش كموسيقى خالصة لإذاعة الشرق الأدني اللبنانية، وعندما قام فريد الأطرش بتحويل موسيقى “حبيب العمر” إلى أغنية رئيسية قدمها بفيلم يحمل نفس عنوان الأغنية “حبيب العمر” عام 1947، قام بإختصار اللحن، كما هو مسجل في الأغنية، كما قام الموسيقار الفرنسي “فرانك بورسيل” وهو من أكبر الموزعين الموسيقين في العالم والفرنسي الجنسية بتوزيع يعض أعمال فريد الأطرش وتم عزفها من قبل الأوركسترا التي يقودها وتم طبعها في أسطوانة بعنوان “فسيفساء شرقية” واحتوت الأسطوانة: مقدمة أغنية “حبيب العمر”، ومقدمة أغنية “نجوم الليل”، ومعزوفة “زمردة”، ومعزوفة “ليلى”. ويعتبر فريد الأطرش أول من قدم موسيقى طويلة بمقدمة أغنية سينمائية من خلال مقدمة “حبيب العمر” التي تجاوزت الثلاثة دقائق دون أن تكسر إيقاع الفيلم، وتقبلها وأحبها الجمهور.
https://www.youtube.com/watch?v=W377dmnYafs
لينك توزيع”حبيب العمر” لـ فرانك بورسيل على قناة اليويتوب
قام كريم جوهر بمنتهى الشجاعة بتوزيع مقدمة أغنية “حبيب العمر” وعزفها على البيانو متخطيا كل من سبقوه بتوزيع هذه المقطوعة الجميلة. بدأ كريم جوهر معزوفته بإستعراض ثلاثة ألحان أساسية ثم بدأ مباشرة في قسم التفاعل (Reaction) بعزف هذه الألحان بعد دمج اللحن الأول والثاني مرة واللحن الأول والثالث مرة وهكذا … ثم عزف الثلاث ألحان دون أن يستطيع المستمع تمييز أي منهم على حدة، وقد نجح في تنفيذ فكرته نجاحا باهرا، جعلني اتمنى لو أطال في هذا الجزء البديع. ثم أنتقل جوهر مرة ثانية لإستعراض ألحانه الأساسية لحنا لحنا بيده اليمني مع عزف لحن آخر بيده اليسري، وهو غير ما أعتادنا عليه، أن تدعم اليد اليسري اللحن التي تعزفه اليد اليمني أو أن تلعب دور الإيقاع معه. عمد جوهر إلى أن تبادل اليد اليسري عزف لحن ميلودي كامل بجوار اللحن التي تعزفه اليد اليمني، وبذلك استمعنا إلي لحن ثالث ينتج عن عزف اللحنين معا في هارمونية مبتكره، وداوم على استعراض ألحانه بكلتا يديه، ثم أعقب ذلك بفقرة قصيرة قدم هذه الألحان الثلاث بتقنية تعدد الأصوات (Counterpoint) أي أن نستمع إليها معا في نفس الوقت، وهذا ما كنت أنتظره منه بالتمام والكمال. ثم هدأ الإيقاع وقدم فقرة، عزف فيها شذرات من الألحان الأساسية الثلاث، إيذانا بإنتهاء معزوفته. أنهي جوهر عزفه لـ “حبيب العمر” بعد أن أستحوذ علي روح المستمعين الذين تمنوا أن لا ينتهي من عزفه.
بقىية كلمة أخيرة للمركز الثقافي القومي “دار الأوبرا المصرية”، عليهم أن يشجعوا كريم جوهر وأخوانه بتخفيض أسعار التذاكر، أو على استحداث فئات للمراحل العمرية الشبابية، فأسعار التذاكر الحالية أكبر من المتوقع ومن قدرة شباب مصر، تلك الفئة العمرية التي ننشد حضورها مثل تلك الفاعليات التي تقرب لهم الموسيقى الشرقية وتثبت قدرتها على مجاراة الموسيقى الغربية في أعز ما تملك من قدرات اوركسترالية وهارمونية.