Site icon masr 306

’من هنا وهناك’ بقلم د سامح توفيق: كشف أثري ضخم بمنطقة سقارة

د سامح توفيق

أكتشفت البعثة المصرية المشتركة بين المجلس الأعلي للآثار ومركز زاهي حواس للمصريات بمكتبة الإسكندرية، والتي تعمل في منطقة آثار سقارة بجوار هرم الملك تتي «أول ملوك الأسرة السادسة من الدولة القديمة»، خبيئة أثرية هامة تعود إلى الدولة القديمة والحديثة والعصور المتأخرة.

د زاهي حواس ود مصطفي الفقي

ويري الدكتور زاهي حواس، عالم الآثار المصرية، رئيس البعثة، أن هذه الاكتشافات سوف تعيد كتابة تاريخ هذه المنطقة، خاصة خلال الأسرتين 18 و19 من الدولة الحديثة، وهي الفترة التي عُبد فيها الملك تتي، وكان يتم الدفن في ذلك الوقت حول هرمه.

كان الدكتور مصطفى الفقي، مدير مكتبة الإسكندرية، إن مركز زاهي حواس للمصريات بالمكتبة، يمارس نشاطه بنجاح مُنذ إنشائه في 2018 حتى الآن، ويُسعد مدير المكتبة أن يشارك في مراسم الإعلان عن الكشف الأثري بمنطقة سقارة، وتشعر المكتبة بأن انتسابها لهذا العمل هو أمر تفخر وتعتز به، وأن ما جرى هو بداية من سلسلة الاكتشافات الأثرية التي يمارسها المركز بالتعاون مع المجلس الأعلى للآثار، وهذه الاكتشافات مهداه إلى العالم ليتعرف على تاريخ الحضارة المصرية العريقة.

وقد تم العثور على المعبد الجنائزي الخاص بـ “الملكة نعرت”، زوجة الملك تتي، والذي كشف عن جزء منه في الأعوام السابقة، كما عثرت أيضا على تخطيط المعبد، بالإضافة إلى 3 مخازن مبنية من الطوب اللبن، في الناحية الجنوبية الشرقية منه، لتخزين القرابين والأدوات التي كانت تستخدم في إحياء عقيدة الملكة.  وكذلك تم العثور على 52 بئرا، تتراوح أعماقها ما بين 10 إلى 12 مترا، بداخلها أكثر من 50 تابوتا خشبيا من عصر الدولة الحديثة، علما بأن هذه هي المرة الأولى التي يعثر فيها بمنطقة سقارة على توابيت يعود عمرها إلى 3 آلاف عام، وهذه التوابيت ذات هيئة آدمية، وممثل على سطحها العديد من مناظر الآلهة التي كانت تعبد خلال هذه الفترة، بالإضافة إلى أجزاء مختلفة من نصوص كتاب الموتى، والتي تساعد المتوفى على اجتياز رحلته إلى العالم الآخر.

وتم العثور دخل تلك الآبار، على أعداد كبيرة من المشغولات الأثرية وتماثيل على هيئة المعبودات مثل الإله أوزير، وبتاح، وسوكر، بالإضافة إلى كشف فريد من نوعه، حيث عثرت البعثة على بردية يصل طولها إلى أربعة أمتار ومتر واحد عرض، تمثل الفصل السابع عشر من كتاب الموتى، ومسجل عليها اسم صاحبها وهو (بو-خع- اف) وقد وجد نفس الاسم مسجل على أربعة تماثيل أوشابتي، كما تم العثور على تابوت خشبي على الهيئة الآدمية لنفس الشخص، بالإضافة إلى العديد من تماثيل الأوشابتي من الخشب والحجر الفيانس من عصر الدولة الحديثة. بالإضافة إلى مجموعة من الأقنعة الخشبية وكذلك مقصورة الإله أنوبيس إله الجبانة، وعثر له على تماثيل بحالة جيدة وكذلك العديد من الألعاب التي كان يلعب بها المتوفى في العالم الآخر مثل لعبة (السنت) التي تشبه الشطرنج حاليا، وكذلك لعبة العشرين مسجل عليها اسم الشخص الذي كان يلعب بها.

كما تم العثور على العديد من القطع الأثرية التي تمثل طيور مثل أوزه، وبلطة من البرونز تدل على أن صاحبها كان أحد قادة الجيش في عصر الدولة الحديثة والعديد من اللوحات المنقوشة عليها مناظر المتوفى وزوجته وكتابات الهيروغليفية؛ من أجملها لوحة من الحجر الجيري في حالة جيدة من الحفظ، مصور عليها منظر متوفى يدعى (خو-بتاح) وزوجته تدعى (موت-ام-ويا)، الصف العلوي من اللوحة يصور المتوفى وزوجته في وضع تعبدي أمام المعبود أوزير والصف السفلي يصور المتوفى جالسا وزوجته خلفه، وتحت كرسي الزوجة مثلت إحدى بناتهما جالسة تقرب إلى أنفها زهرة اللوتس ويزين رأسها بالقمع العطري.

كما يوجد أمام الزوجان ستة من الأبناء على صفين حيث نجد الصف العلوي به ثلاثة من بناتهما جالسات على الأرض يقربون زهرة اللوتس من أنوفهم ويغطين رؤوسهن أقماع العطر، أما الصف السفلي به ثلاثة من الأبناء الذكور في وضع الوقوف أمام المتوفى وزوجته.

وأوضح حواس أنه من الملفت للنظر هو أن إحدى البنات تحمل اسم (نفرتاري)، سميت باسم الزوجة المحببة لدى الملك رمسيس الثاني، وحمل اسم أحد الأبناء (خع-ام-واست) وهو اسم أحد أبناء الملك رمسيس الثاني ويعتبر حكيم العصر ويطلق عليه أنه أول عالم مصريات حيث كان يرمم آثار أجداده، أما ألقاب صاحب اللوحة فكان المشرف على العجلة الحربية للملك مما يدل على مكانته الهامة في الأسرة ١٩، كما تم العثور على كميات رائعة من الفخار الذي يعود إلى الدولة الحديثة ومنه فخار يثبت العلاقات التجارية بين مصر وكريت وكذلك سوريا وفلسطين.

هذا الكشف يؤكد على أن منطقة آثار سقارة لم تستغل في الدفن خلال العصر المتأخر فقط بل وكذلك في الدولة الحديثة، كما أثبت وجود العديد من الورش التي تنتج هذه التوابيت والتي كان يتم شراؤها عن طريق الأهالي، وكذلك ورش خاصة بالتحنيط. وعندما قامت البعثة بدراسة مومياء إحدى السيدات، تبين أن صاحبتها كانت تعاني من مرض يعرف باسم “حمى البحر الأبيض المتوسط” أو “الحمى الخنازيرية” وهو مرض يأتي من الاتصال المباشر بالحيوان ويؤدي إلى خراج في الكبد وهو مرض مزمن مدى الحياة.

وقد قامت الدكتورة سحر سليم أستاذة الأشعة بالقصر العيني، بعمل الدراسات اللازمة على المومياوات المكتشفة والتي من بينها مومياء لطفل، وقد حددت الدراسات أسباب الوفاة وعمر المتوفى وقت الوفاة.

ومن بين التحف التي تم العثور عليها،  مقصورة ضخمة من الطوب اللبن ترجع إلى عصر الدولة الحديثة ذات بئر يصل عمقه حتى الآن إلى ٢٤ مترا ولم نصل بعد إلى نهايته، ومن المتوقع أن ينتهي بحجرة للدفن، وقد رصفت أرضية تلك المقصورة بكتل من الحجر الجيري المصقول صقلا جيدا، وقد غطى الجزء العلوي من فوهة البئر بالأحجار، ولا يزال العمل جاريا ويعتقد حواس أن هذا البئر لم يصل إليه اللصوص وسوف يتم الكشف عنه كاملا.

أن هذا الكشف يعتبر من أهم الاكتشافات الأثرية لهذا العام وسوف يجعل سقارة مع الاكتشافات الأخرى مقصد سياحي وثقافي مهم، وسيعيد كتابة تاريخ سقارة في عصر الدولة الحديثة بالإضافة إلى تأكيد أهمية عبادة الملك تتي خلال الأسرة ١٩ من الدولة الحديثة.

Exit mobile version