هزيمة حزب العمال البريطاني
مُني حزب العمال البريطاني بخسارة انتخابية جديدة تنذر بما هو أسوأ في الأيام المقبلة، وتُعد بمثابة دليل إضافي على عمق الأزمة التي تعاني منها أحزاب اليسار الأوروبية.
الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية تكافح من أجل المحافظة على مواقعها، في وقت تشهد انقسامات داخلية وتفتقد رسالتها إلى التماسك وتعاني قياداتها من الضعف. وفاقم وباء كوفيد-19 اتجاهاً بدأ يظهر منذ سنوات، منذ أزمة عام 2008 المالية العالمية على أقل تقدير، بينما برزت إلى السطح علامات التصدع الثقافي متجسدة في ملفات مثيرة للجدل على غرار “بريكست” في بريطانيا أو قيم جمهورية ضد “المتشددين الإسلاميين” في فرنسا.
وكتب رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير: أن “الأحزاب السياسية تعتبر حقاً وجودياً مقدساً، وتواجه الأحزاب التقدمية من الوسط ويسار الوسط، حالة من التهميش وحتى الانقراض في أنحاء الغرب”. وتابع “باختصار، وفضلاً عن جو بايدن، لا يوجد في أنحاء العالم الغربي اليوم إلا وميض هنا وهناك لأجندة تقدمية تحظى بدعم عميق من الأغلبية”، داعياً إلى اعتماد سياسات يسارية وسطية جديدة في حقبة تشهد تغيراً تكنولوجياً متسارعاً.
تظهر استطلاعات الرأي أن الحزب الاشتراكي الفرنسي الذي كان في السلطة في عهد الرئيس السابق فرنسوا هولاند حتى عام 2017، حصل على أقل من عشر نقاط في الاستطلاعات قبل الانتخابات الرئاسية العام المقبل. ويتوقَع الآن أن تقتصر المواجهة الرئاسية في فرنسا على الرئيس الوسطي إيمانويل ماكرون واليمين المتشدد، كما كانت الحال في المرة الأخيرة، بعد ما انسحب هولاند الذي لا يحظى بشعبية.
وأكد الرئيس الفرنسي السابق أن “اليسار لا يقدم شيئاً، هذه هي المشكلة”. وجاءت تصريحاته في ذكرى مرور 40 سنة على فوز فرنسوا ميتران في الانتخابات كأول رئيس اشتراكي للجمهورية الخامسة.
يعاني اليسار الإيطالي من التشرذم مع ظهور قوى أكثر راديكالية.
أما في إسبانيا فلا يزال اليسار في السلطة، لكنه اتجه يساراً بشكل أكبر على أيدي حزب “بوديموس” منذ الأزمة الاقتصادية.
وقضت إجراءات التقشف التي أعقبت الأزمة على حزب “باسوك” الاشتراكي اليوناني، ليظهر على إثر ذلك مصطلح جديد يصف التدهور الأوسع نطاقاً لليسار الوسطي في أوروبا بعبارة: “الباسوكية”.
وعاقب الناخبون أحزاب اليسار الوسط التي مضت قدماً بفرض تدابير تقشف أو، كما في بريطانيا وألمانيا، اعتبرت مساهمة في الأزمة عبر فرض إصلاحات مسبقة داعمة للسوق.
وأشار إلى أن بإمكانه تحقيق ذلك “عبر برنامج اقتصادي ذي مصداقية لا يدمر الاقتصاد لكنه يقدم في الوقت ذاته أجندة اجتماعية تضمن عدم استمرار الغياب البشع للمساواة”. وبإمكان حزب العمال الاعتماد على نظام بريطانيا الانتخابي القائم على فوز المرشح الذي يحظى بأكبر عدد من الأصوات في كل دائرة انتخابية (بخلاف التمثيل النسبي)، والذي يضمن عملياً هيمنة الحزبَين ويقطع الطريق على الحركات الناشئة التي أعادت رسم الخارطة السياسية في معظم أنحاء أوروبا.
ويبدو أن المحافظين البريطانيين وجدوا في جونسون المتقلب، بلير الخاص بهم، على اعتبار أنه زعيم أكثر اهتماماً بتكتيكات الفوز في الانتخابات وإيصال الرسائل من اهتمامه بالأيديولوجيا، ويمكنه أن يتباهى بحملته الناجحة للتطعيم ضد فيروس كورونا. يلقى جونسون الذي يتبع سياسة سخية دعماً في أوساط الناخبين الذين يحسبون على اليسار في ما يتعلق بالسياسة الاقتصادية، لكنهم محافظون عندما يتعلق الأمر بالقيم والهوية، لكنه حذر من أنه “بات على جونسون حالياً تحقيق إنجازات وهو ما سيكون مهمة صعبة على مدى العامين أو الأعوام الثلاثة المقبلة”.