هل تطورات الحرب في إثيوبيا في صالح مصر والسودان؟
توقع العميد السابق لمعهد الدراسات والبحوث الأفريقية في جامعة القاهرة سيد فليفل، أن تؤدي التطورات الجارية في إثيوبيا من تحرك قوات جبهة تحرير شعب تيغراي باتجاه العاصمة أديس أبابا، إلى تحريك ملف سد النهضة إيجابيا، معتبرا أن رئيس الوزراء الإثيوبي الحالي آبي أحمد الأكثر تشددا في قضية السد.
وقال فيلفل: “التحولات الجارية حاليا في إثيوبيا ستؤثر بالطبع على ملف سد النهضة، فأحد السيناريوهات المرجحة حاليا هو خروج آبي أحمد من المشهد، وهو ما سيعني بالضرورة درجة أعلى من المرونة في التعامل مع الملف”. أضاف فليفل: “الشعوب الإثيوبية ذات صلة تاريخية بمصر، لا نستطيع أن نتخيل أن الموقف سيستمر كما هو في في غياب آبي أحمد، وعلى الرغم من أن آبي أحمد لم يكن البادئ في بناء سد النهضة، إلا أنه كان الأكثر تشددا، والأكثر تعطيلا لأي تفاوض، وما يجري الآن يعني أن السيناريوهات المقبلة لملف سد النهضة قد تكون أفضل من الوضع الحالي، خاصة أن مصر تبدي تفهما ومرونة كافيين”.
وأكد فليفل أن “التيغراي كانوا يتفاوضون حول سد النهضة، رغم أن التفاوض كان به مراوغة، ولكن هذه طبيعة أي مفاوضات، آبي أحمد جاء ينكر على مصر والسودان حقوقهما في مياه النيل، فما نشهده بالفعل ليس مجرد تعثر في المفاوضات، أو خلافات، إنما تجميد للملف حتى يحقق آبي أحمد الأمر الواقع”.
وأوضح فليفل: “هناك نظرة شائعة لإثيوبيا، كأكبر دول القرن الإفريقي سكانا، كذلك هي دولة المقر للاتحاد الإفريقي، وهو ما يعطيها وزنا كبيرا، وهو ما حقق لها دعم ومساندة الغرب، ولكن هذه النظرة تنسى أن الدولة الإثيوبية كونت ما نراه اليوم من حدود في العهد الاستعماري، عبر ضم أمم متعددة لم تكن خاضعة يوما لحكم إثيوبيا، منهم الأرومو وهم غالبية السكان، وبني شنقول، وهو الإقليم الذي يضم سد النهضة، ومنطقة العفر في الشرق بجوار جيبوتي وإريتريا، والإقليم الصومالي، واقترفت في هذه المناطق جرائم مشهودة في مراحل مختلفة، وهو ما كان محل انتقاد وهجوم من المجتمع الدولي”.
وتابع فليفل: “الصراعات التي فجرها أبي أحمد الحاصل على نوبل للسلام وممارسته سياسات قمعية لم يمارسها مانجستو ولا الإمبراطور هيلاسلاسي ولا زيناوي، وأدخل البلد في صراع كبير، تجعل الوضع غير قابل الاستمرار بنفس الصيغة حاليا”.
أشار فليفل: “بالنسبة لسد النهضة فسعة خزانه تبلغ 74 مليار متر مكعب وهي تساوي حصتي مصر والسودان معا، وهو ما يتجاوز هدف توليد الكهرباء ويكشف سياسة أثيوبيا التي تهدف لتوطين الأنهار الدولية وتحويلها لأنهار وطنية إثيوبية، وهو ما حدث مع كينيا، حيث بنت إثيوبيا أربعة سدود على نهر أومو، وأدى ذلك إلى تجفيف بحيرة توركانا وإفراغها من سكانها، وهجر الصيادون الإقليم، نفس الشيء فعلته إثيوبيا مع نهري الصومال، جوبا وشبيلي، أن كينيا والصومال وجيبوتي تضررت من سياسة إثيوبيا المائية”.
وأضاف فليفل: “هذا ما حاوله أبي أحمد مع مصر، ولكن الأمر يختلف، فكينيا دولة تمتلك كميات كبيرة من الأمطار وكذلك الصومال في جزءها الجنوبي، أما في مصر والسودان الوضع يختلف، فمصر تقع في إقليم قاحل، وكذلك الحال شمال السودان، فنهر النيل بالنسبة للبلدين له أهمية مختلفة”.
وأكد فليفل: “الوضع الآن يتغير بسرعة، أمريكا التي دعمت أبي أحمد، هي نفسها الآن التي ترعى اتفاقا للجماعات المعارضة التسع لإعادة الفيدرالية لما كانت عليه، وإعادة المبدأ الذي وصل أبي أحمد للسلطة على أساسه وهو إجراء استفتاء في إقليم التيغراي، وفي حالة إستعادة هذا المبدأ يصعب عودة إثيوبيا لما كانت عليه، وغالبا لن يكون هناك أبي أحمد ولا الأمهرة، فالأمهرة اقترفوا جرائم فظيعة في إقليم التيجراي، وكذلك جرائم في إقليم بني شنقول وإقليم أورميا، وهو الإقليم الذي ينتج أغلب الإنتاج الزراعي في إثيوبيا”.
وحول أثر ما يجري في السودان على مفاوضات سد النهضة أكد فليفل: “بالنسبة للتطورات في السودان لا يمكن اعتبارها مؤثرة سلبا في ملف سد النهضة، لأن قضية السد للسودان قضية وطنية لا تخضع للتغيرات التي قد تجري في السلطة، أيا كان من يحكم فمن غير الوارد التهاون في قضية سد النهضة”.
وأوضح فليفل: “مؤخرا ظهرت عيوب خطيرة في السد وفي التربة التي شيد عليها، وهو ما يعني أن هناك خطورة، وهذه الخطورة تمس السودان بالأساس، ولا يوجد عاقل في السودان قد يتهاون مع تلك الخطورة.
وتابع: “السودانيون أيا كانت انتماءاتهم جربوا نتائج سد النهضة في الملء الأول والثاني، وعندما يتخذ أي مسؤول في السودان قراره سيكون في حسابه في المقام الأول، حرمان شرق السودان من الفيضان، وهي المنطقة التي يعتمد عليها السودان في القسم الأكبر من إنتاجه الغذائي، ولكن في كل الأحوال مهما كان الموقف السوداني، فالموقف المصري لا يحتمل أي مساومة، فأمن مصر المائي لا يمكن التهاون فيه”.
واعتبر فيلفل أن الموقف الأمريكي تجاه ملف سد النهضة بدا في التحسن مؤخرا، وأوضح أنه “بالنسبة للموقف الأمريكي هناك تغير نلحظه بالفعل، فرغم الفتور الذي بدأ على إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تجاه ملف سد النهضة في البداية، سمعنا من وزير الخارجية الأمريكي موقفا أكثر وضوحا يربط القضية بالقانون الدولي، وفيه التزام بأمن مصر المائي. دائما هناك خلافات تظهر بين الحزبين الكبيرين في أمريكا، وهو ما ينعكس مؤقتا على تعاطي الإدارة الأمريكية مع بعض الملفات مع التغير في الإدارة، ولكن سريعا ما تعود المصلحة الأمريكية العليا”.
كان رئيس الوزراء الإثيوبي قد أرسل قوات إلى إقليم تيغراي، في نوفمبر العام الماضي، لاعتقال قادة “جبهة تحرير شعب تيغراي” ونزع أسلحة هذا الحزب الذي كان يهيمن على المنطقة، وقال إن الخطوة جاءت للرد على هجمات اتهمت جبهة تحرير شعب تيغراي بتنفيذها ضد معسكرات الجيش الفيدرالي.
ورغم تعهد آبي أحمد بالانتصار في غضون أسابيع، تواصلت المعارك إلى اليوم
وقد أعلنت الحكومة الإثيوبية حالة الطوارئ في 2 نوفمبر، فيما دعا رئيس الوزراء الإثيوبي، في وقت سابق من الشهر الجاري، المواطنين إلى حمل السلاح والقتال ضد جبهة تحرير تيغراي التي تصنفها أديس أبابا إرهابية، وذلك بعد إعلان الجبهة الاستيلاء على بلدات استراتيجية واقترابها من الوصول للعاصمة الإثيوبية.
وبدأت إثيوبيا في تشييد سد النهضة على النيل الأزرق في عام 2011، بهدف توليد الكهرباء، وتخشى مصر أن يلحق السد ضررا بحصتها من المياه والتي تحصل على أغلبها من النيل الأزرق.
ورغم توقيع اتفاق مبادئ بين مصر والسودان وإثيوبيا في عام 2015، يحدد الحوار والتفاوض كآليات لحل كل المشكلات المتعلقة بالسد بين الدول الثلاث، فشلت جولات المفاوضات المتتالية في التوصل لاتفاق بين الدول الثلاث على آلية تخزين المياه خلف السد وآلية تشغيله.
وأنجزت إثيوبيا مرحلتين من عملية ملء السد في عامي 2020 و2021، ومن المتوقع أن تقدم على الملء الثالث للسد في الصيف المقبل خلال موسم الفيضان.