“وائل شفيق” يكتب: مسلسل 60 دقيقة .. ليس منا ولسنا منه !!
60 دقيقة هو مسلسل لعشاق الدراما المدبلجة، ولكنها دراما تخطت مرحلة الدبلجة إلى مرحلة الاشتراك في التمثيل.
نحن أمام مسلسل يعاني كأبطاله من اضطراب الفكر مهما تنمق في الحوار أو تعمق في الأفكار.
نحن أمام عمل ناجح بسبب عالمه الغرائبي الذي لا يشبه عالمنا العربي وواقعنا المصري.
نحن أمام دراما تخيلية من عالم الميتافيرس الافتراضي الذي لا نعيشه.
هو عمل لا يخلو من متعة لمن يبحث عن جديد، وهو عمل متميز من حيث عناصره الفنية المستلهمة أو المقتبسة من روح الدراما الكورية .
المسلسل من حيث الأحداث والشخصيات والأفكار لا يمت لعالمنا العربي بصلة، فهو يحكي عن ياسمين الفتاة السكندرية التي تدرس في كلية التجارة، وتعيش في القاهرة مع صديقتها الثرية ليلى التي لا نعرف لها أهل.
تقع ياسمين الطالبة الجامعية في حب أدهم وتسافر معه إلى بيروت للتنزه بلا أي تحفظات تربوية أو عوائق قانونية أو موانع أخلاقية في العالم الافتراضي.
أدهم طبيب ومريض نفسي في آن واحد، ورث المرض النفسي من والديه، ونقله لزوجته ياسمين.
ولكي نعيش في عالم افتراضي ملئ بالمرضى النفسيين كان لابد أن يكون أدهم طبيبا نفسيا ليعج المسلسل بمرضاه النفسيين من الفتيات والسيدات اللاتي يستغل أدهم مرضهن ويتحرش بهن جميعا.
أما الرجل الوحيد الذي يُعالج عند أدهم فهو زوج محامية ضحاياه!! وهنا ضاق العالم الافتراضي وتحول إلى شارعين وحارة.
المسلسل قد يعجبك إذا كنت تحب التنقل بين الأزمنة في الدراما ؛ حيث يتنقل المسلسل بين الزمن الآني الذي يتم فيه تنفيذ عقوبة الإعدام على ياسمين التي قتلت أدهم وبين زمني الماضي القريب والماضي البعيد.
وكلما انتقل المسلسل من زمن لزمن ازدادت غربتك في الزمن وانتقلت إلى عالم جديد لن تمل من مشاهدته إذا كنت ترغب في ترك واقعك قليلا ومشاهدة عوالم أخرى.
استعرض المسلسل المشكلات الجنسية في الزواج مثل: مشكلة رفض العلاقة الجنسية الناتج عن اكتئاب ما بعد الولادة، ومشكلة السيطرة الجنسية السادية غير الرضائية، ومشكلة العجز الجنسي نتيجة إدمان مشاهدة المواد الإباحية.
ارتكب المسلسل خطأ أخلاقيا حين حاول تبرير جريمة قتل ياسمين لأدهم بحجة أنه عنيف المشرب وتسبب في انتحار سارة وحاول دفع ياسمين للانتحار ؛ إلا أن المسلسل عجز عن تسويق تلك الحجة لأن أدهم حسب الشخصية المرسومة له في السيناريو ليس قاتلا يستحق عقوبة القتل، ولكنه كبقية أبطال العمل مريض يحتاج للعلاج ويستحق التعاطف.
مشاهد إعدام ياسمين ليس لها صلة بالواقع لأن توقيت تنفيذ حكم الإعدام يكون غير معلوم ولا يتم إبلاغ الأهل إلا بعد تنفيذه.
إعدام ياسمين كان جرعة من الفجاجة مارس فيها المؤلف كل وسائل ابتزاز المتفرج عاطفيا لاستدرار بكاءه ودموعه.
العمل لا يمكن تصنيفه كعمل نسوي يدافع عن حقوق المرأة لأن العمل يُحمل المرأة كل المصائب التي يناقشها، فكل المرضى في المسلسل تقريباً هم ضحية أمهاتهم!!
ومن أبرز الأدلة على أن هذا العمل غرائبي ولا ينتمي لواقعنا أن المتفرج لن يجد مشكلة مع لكنة أدهم الثقيلة بسبب عدم تمكن الفنان السوري الرائع محمود نصر من اللكنة المصرية، وسيقبل أداء الفنانة السعودية الجميلة فاطمة البنوي في دور سارة، ولن يستغرب الأداء الخواجاتي للحسناء الشقراء شيرين رضا التي قدمت مشهد المرافعة في المحكمة بأداء لغوي استحقت ياسمين بسببه حكم الإعدام عن جدارة واستحقاق.
الغريب بالنسبة لي كان قبول القدير أحمد رزق والموهوب أحمد خالد صالح لهذه الأدوار الصغيرة التي لا تتناسب مع مكانة رزق ولا موهبة صالح.
ونصيحتي لهما لا تقبلا مثل هذه الأدوار الصغيرة مرة أخرى بحجة أنها أدوار مؤثرة.
وفي محاولة غير موفقة لتمصير الدراما اختلق المؤلف عقدة مطالبة الزوجة القاتلة بالطلاق من زوجها المقتول لأنها ترفض الارتباط به في الآخرة!! هنا تحول الأمر إلى هزل في موضع الجد؛ إذ لا يوجد في العمل أي أثر للمكون الديني في بناء الشخصيات، فكيف تبلورت هذه الفكرة السلفية في رأس هذه المرأة بناءً على جملة دخيلة في الحوار قالها الزوج المغدور في مشهد عابر ؟
ولإطالة هذا الهزل يلجأ الضابط المكلف بتنفيذ حكم الإعدام إلى استشارة الشيوخ في طلب الزوجة خلال الستين دقيقة المتبقية في حياتها.
نحن أمام عمل نُفذ باحترافية عالية وبُذل فيه جهد كبير لإضافة حليات وزخارف لكل تفاصيله بدءاً من الكتابة التي تزخرفت بجمل من نوعية “الزمن.. بطيء جدًا لمن ينتظر.. سريع جدًا لمن يخشى.. طويل جدًا لمن يتألم.. قصير جدًا لمن يحتفل” ولكنها زخارف لم تضف شيئا للفكر التغريبي الذي حمله العمل.
باختصار نحن أمام عمل جيد الصنع ولكنه يحمل فكرا غير ناضج وغير أصلي وبعيد كل البعد عن ملامح الشخصية المصرية التي تئن من ظروف معيشية صعبة وتعاني من موروثات ثقافية عتيقة وعادات إجتماعية بالية ولكنها تُظهر صلابة وقوة ممزوجة بخفة ظل تهون مشاكل الحياة وتمنح الشخصية المصرية القدرة على الاستمرار والبقاء رغم كل التحديات وهو ما عجز المسلسل عن إبرازه أو الإشارة إليه.