Site icon مصر 30/6

ليلة الكريستال

شولتز يذكّر الألمان بـ«المسؤولية التاريخية بحماية اليهود»

قد يكون يوم التاسع من نوفمبر اليوم الأكثر دلالة في التقويم الألماني وأقرب ما يفسر الحالة السياسة لألمانيا الحديثة. في مثل هذا اليوم قبل 85 عاماً، شهدت ألمانيا بداية مذابح اليهود قبل أن تبدأ الحرب العالمية الثانية. حينها وفي ليلة واحدة عام 1938، تعرّضت منازل ومتاجر ومعابد اليهود في أنحاء البلاد إلى عمليات تدمير وتكسير وإحراق بعد أشهر من التحريض وحشد النازيين ضدهم. انتهى اليوم بمقتل قرابة مائة يهودي في عمليات التخريب تلك التي باتت تعرف بـ«ليلة الكريستال»، ومهّدت للمحرقة التي نفذها هتلر في السنوات التي تلت.

في كل عام، يحيي الألمان «ليلة الكريستال» بخطابات تعكس «عقدة الذنب» التي يتوارثها الأبناء منذ ذلك الحين، وتعهدات بـ«عدم تكرار» ما حدث مرة جديدة، وحماية اليهود وحياتهم وثقافتهم في ألمانيا.

المستشار الألماني أولاف شولتز يتحدث داخل كنيس لليهود وسط برلين في ذكرى «ليلة الكريستال»

 

وهذا العام، حملت الذكرى معنى خاصاً وإضافياً في وقت تتزايد فيه الأعمال المعادية للسامية منذ بداية الحرب في غزة قبل شهر تقريباً. واختار المستشار الألماني أولاف شولتز أن يشارك في الذكرى من داخل كنيس وسط برلين تعرّض لمحاولة اعتداء بعد أيام قليلة من عملية 7 أكتوبر عندما رمى مجهولون قنابل مولوتوف باتجاهه. ووسط حراسة أمنية مشددة، وقف شولتز داخل الكنيس إلى جانب زعماء الطائفة، معتمراً القبعة اليهودية يتحدث بـ«خجل وغضب» عما يتعرض له اليهود في ألمانيا منذ أسابيع.

معاداة السامية… وكراهية المسلمين

وأبلغت هيئة مراقبة الحوادث المعادية للسامية في ألمانيا عن أكثر من 200 حادث منذ بداية الحرب في غزة، أي بارتفاع بنسبة تقارب الـ250 في المائة عن العام الماضي. ومن بين الحوادث التي تم التبليغ عنها، رسم نجمة داود على مدخل المنازل التي يعيش فيها يهود. ورغم أن الشرطة تحدثت عن عدد مماثل من الحوادث طال مساجد مسلمين في الفترة نفسها، فإن شولتز لم يأتِ إلا مروراً على ذكر الأمر، وقال: «يجب ألا نقع في فخ الذين يجدون فرصة الآن لحرمان أكثر من 5 ملايين مسلم من مكانهم في مجتمعنا».

جانب من تكريم ضحايا هجوم «حماس» على إسرائيل – برلين 7 نوفمبر

 

وأظهرت دراسة نُشرت قبل يومين وأعدها المركز الألماني للأبحاث حول الهجرة والاندماج في برلين، أن أكثر من 40 في المائة من المسلمين في ألمانيا يتعرضون للتمييز بسبب ديانتهم في حياتهم اليومية. وسلّطت الدراسة الضوء على العنصرية التي يتعرض لها الرجال المسلمون من جانب الشرطة وخلال تعاملاتهم مع الإدارات الرسمية.

ولم يأت شولتز على ذِكر التمييز ضد المسلمين، بل وجّه تحذيراً لـ«من يدعمون الإرهاب أو يتورطون بتحريض معاد للسامية» بأنه ستتم ملاحقتهم قضائياً، وأضاف أن شعار «أبداً مجدداً» يعني إبقاء الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها الألمان في المحرقة حية في ذاكراتنا، و«أي شخص يريد أن يعيش في بلدنا عليه أن يقبل المسؤولية النابعة من تاريخنا ويفهم أنها مسؤوليته. فهذا أساس مجتمعنا الديمقراطي». وهدّد شولتز بعدم تجنيس من يُعَدّن معادين للسامية، وأشار إلى أن قانون الجنسية الجديد «يتحدث بوضوح عن منع الجنسية عن من هم معادون للسامية».

تعليق إصلاح قانون الجنسية

وبالفعل، تحول قانون الجنسية الجديد إلى أولى ضحايا السياسة الألمانية تلك؛ إذ تم تأجيل مناقشة القانون في البرلمان الفيدرالي بعد أن كان مجدولاً للنقاش في 9 نوفمبر. وسحبت الحكومة المشروع الذي كان سيقصر مهلة الانتظار للتقدم بطلب للحصول على الجنسية من 8 إلى 5 سنوات ويسمح بتعدد الجنسيات، من دون أن تعلن عن تاريخ إعادته للبرلمان.

جانب من مظاهرة تندد بقتل المدنيين في غزة – برلين 7 نوفمبر

وكان من المفترض أن يناقش القانون ويطرح في تاريخ لاحق قبل نهاية العام للتصويت، بعد أن اتفقت الحكومة عليه. ولكنه الآن يبدو بأنه أعيد إلى الحكومة ربما لإدخال تعديلات إضافية عليه أمام تزايد الاعتراضات من الحزب المسيحي الديمقراطي المعارض الذي تنتمي إليه المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، والحزب الليبرالي المشارك في الحكومة، خاصة في ما يتعلق بتشديد شروط التأكد مِن أن مَن يتم تجنيسهم غير متورطين بأعمال «معادية للسامية».

تصاعد الانتقادات

تواجه ألمانيا انتقادات شديدة من قِبل منظمات إنسانية وألمان من أصول عربية بسبب دعمها غير المشروط لإسرائيل. ورغم أن معظم المعلقين الألمان يؤيدون سياسات الحكومة، فقد خرجت بعض الانتقادات من صحافيين ويهود ألمان ينتقدون تجاهل الحكومة الضحايا المدنيين في غزة. ووقّع أكثر من مائة مثقف وصحافي من اليهود الألمان على عريضة قدموها للرئيس الألماني يعترضون فيها على حظر المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين. ومن بين المنتقدين، الكاتبة الألمانية – الأميركية دبورا فالدمان، التي قالت خلال مشاركتها في أحد البرامج الحوارية الألمانية: «أنا مقتنعة بأنه هناك درس واحد مشروع فقط من الهولوكوست، وهو الحماية غير المشروطة لحقوق الإنسان للجميع». وأضافت: «تتم حماية اليهود هنا بشكل انتقائي، ولا يتم السماح لمن هم من أصول فلسطينية بالتظاهر السلمي والتعبير عن آرائهم».

متظاهرة مؤيدة للفلسطينيين في برلين ترفع شعار «قتْل طفل كل 10 دقائق هو إرهاب»

 

وكتب الصحافي الألماني اليهودي هانو هاونستين، منتقداً الصحافة الألمانية، على صحفته على موقع «إكس»: إن «بعض «الصحافيين» الألمان وصلوا إلى حد اعتبار أنه «ما دُمت لا تدعم القتل العشوائي للفلسطينيين المدنيين، فأنت معادٍ للسامية». وينتقد هاونستين كذلك السياسيين الذين يحمّلون المهاجرين واللاجئين مسؤولية زيادة معاداة السامية في البلاد. وكتب تعليقاً على اقتراح تقدم به ماكس موردوست، نائب من الحزب الليبرالي المشارك في الحكومة: «إن موردوست يزعم بأن الهجرة منذ عام 2015 هي التي تلام على زيادة معاداة السامية في ألمانيا، واقتراحه يجرد «غير الألمان» وتحديداً «غير الأوروبيين» من الحقوق الأساسية مثل حق التجمع والنشاط السياسي. وهذه ليست مزحة».

صعود اليمين المتطرف

يأتي هذا الجدل في وقت يشهد حزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف تقدماً كبيراً في استطلاعات الرأي على المستوى الوطني، وهو بات يحل في المرتبة الثانية بحسب آخر استطلاعات الرأي بنسبة 21 في المائة بعد الحزب المسيحي الديمقراطي الذي يحظى بـ26 في المائة من الأصوات المستطلعة آراؤهم.

وقبل أيام، اعتُقل نائب محلي في ولاية بافاريا من الحزب بعد الاشتباه بأنه يروّج لأفكار نازية. واعتقل دانيال هاليمبا، البالغ من العمر 22 عاماً، بعد أيام على فوزه بالانتخابات المحلية في الولاية بعد أن اشتكى جيرانه من سماع هتاف تحية النازية من منزله. وعثرت الشرطة داخل منزله على شعارات نازية محظورة، ووجهت إليه اتهامات تتعلق بالتحريض على الإساءة العنصرية.

Exit mobile version