أخبار عربية وعالمية

تجريم أعمال السحر والشعوذة في ليبيا

القانون يثير الجدل في ليبيا

انتشرت وبشكل كبير أعمال السحر والشعوذة في أغلب المدن والمناطق الليبية، الأمر الذي سبب الكثير من المشاكل الاجتماعية التي فرقت عائلات ودمرت بيوتا وشردت أطفالا.

جلسة مجلس النواب الليبي التي دعا لها رئيس البرلمان المستشار عقيلة صالح في سرت - سبوتنيك عربي, 1920, 19.01.2024

ويحظى السحرة والمشعوذين بقبول كبير لدى شريحة ليست بالقليلة من المجتمع الليبي، وهناك من يتردد عليهم لطلب السحر مقابل مبالغ باهظة.
انطلقت على إثر ذلك الجهات المعنية لتنفيذ العديد من الحملات التي استهدفت السحرة والمشعوذين ومكافحة هذه الآفة.
وأقر مجلس النواب الليبي، الأسبوع الماضي، قانون “حد السحر والشعوذة” رقم 06 لسنة 2015، الذي صوّت عليه مجلس النواب الليبي بالإجماع.

قانون “حد السحر”

في الإطار، قالت عضو مجلس النواب الليبي أسماء الخوجة، إن “مجلس النواب أقر بجلسته، الأسبوع الماضي، قانون السحر والشعوذة والذي كان مطروحا أمام النواب، لمدة سنتين”.
وتابعت الخوجة: “نوقش القانون في ظل جدل واسع ومخاوف متعددة من قبل النواب، وقد كانت هناك مخاوف مشروعة وخوف من أن يستغل القانون للتدليس واستغلال بعض الفئات لتحقيق مصالح غير مشروعة”.
وأضافت عضو البرلمان الليبي أن “القانون تناول العقوبات التي يحكم بموجبها القانون على الساحر في حالة ثبوت ارتكاب هذا الفعل، وقد صدر هذا القانون لأول مرة في ليبيا، ولم يسبق أن عوقب السحرة أو المشعوذين، حيث كان يتم إطلاق سراحهم في السبق لأنه لا يوجد قانون يستند إليه في تنفيذ الأحكام الخاصة بهذا الفعل الإجرامي”.

دمار البيوت والعقول

تقول الأكاديمية الليبية، سالمة الشاعري، المتخصصة في القضايا الاجتماعية المعاصرة، إنها تمنت أن يسن هذا القانون منذ بداية تشكيل مجلس النواب، وذلك للفساد والخراب والدمار الذي خلّفه السحرة في كل شيء لأن أفعالهم كالوباء الذي يجتاح جسم الإنسان فيهلكه ويقتله.
وتابعت أن “السحرة هم بعضا من الناس الذين ليس لديهم لا ذمة ولا دين، وإنما سيطرت أنفسهم الأمارة بالسوء على تصرفاتهم وأفعالهم وأصبحوا يساهمون في أذية بعض الناس خدمة للبعض الآخر من أجل الغيرة أو الحسد أو الكره أو أخذ شيء يمتلكه منه بالقوة مثل المال والملك والزوجة والعيال، مما يجعل الإنسان يصاب بالأذى وقد يكون هذا الأذى مرضا عضال، أو تبدل العقل والإصابة بالجنون، أو ترك البيت والهروب من المسئولية فيصبح الإنسان مغيب عن واقعه فيرتكب أفعال تسيء له ولأسرته ولبيئته الاجتماعية، مثل إدمان المخدرات أو ارتكاب الفعل الفاحش أو ارتكاب جريمة أين كان نوعها ابتدءا من الضرب واستعمال سلوك العنف مع اقرب الناس له وختاما بالقتل”.
وأوضحت الأكاديمية الليبية أن المجتمع وثقافته هي التي جعلت للسحرة مكان وشأن، إلا أن آثار السحر مدمرة جدا سواء اجتماعيا أو اقتصاديا أو صحيا أو نفسيا، وخير دليل على ذلك السحر تم استخراجه من القبور والمباني بعد الحملة الأخيرة التي حدثت في المنطقة الشرقية بشكل عام.
وقالت بأنها سعيدة جدا لسن هذا القانون من أجل نظافة البلاد وظهور كل شخص أو ساحر في صورته الحقيقية، فكم من بيت هدم وكم ابن ضاع، وكم من زوج فقد وهرب، وكم من فتاة تاهت وضاعت عذريتها، وكم من كبير أهين بين أفراد أسرته وعائلته، وكم من مريض فقد صحته وبعض أعضائه الحيوية بسبب والسحرة والمشعوذين، بحسب قولها.

التمعن والحذر قبل الاتهام

وفي هذا الجانب ترى الأكاديمية جميلة بن عيسى، المتخصصة في الشؤون الاجتماعية، إن “موضوع السحر من المواضيع التي أخذت في الآونة الأخيرة حيز كبير من حديث الشارع الليبي بكافة أطيافه، وذلك لما خلفه هذا الموضوع من أضرار للأسر الليبية، إلا أن السؤال المطروح هو ما هو المعيار الذي وضعه القانون الذي يحدد من هو الساحر من عدمه، وهل يحدد بالنسبة لأدلة معينة أم للاتهام فقط يكفي، أم أنه من الضروري وجود أدلة التي تدل وتثبت أن هذا الشخص ساحر أو مشعوذ”.
وتابعت بن عيسى، بأن الأمر الآخر هو أن المجتمع الليبي بالرغم من تطوره ومواكبته للعصر إلا مواضيع السحر والشعوذة والمعتقدات انتشرت بشكل كبير جدا، وعند إصابة أحد أفراد الأسرة بأي أمراض نفسية يصعب الاعتراف بذلك، ويصنف ذلك بأن هذا الشخص تعرض للسحر والشعوذة.
وقالت: “في هذه الحالة قد يوجه الاتهام المباشر لأحد الأقارب وربما الأشخاص الذين بينهم وبين عائلة الشخص المريض عداوة، ويتم اتهامهم بأنهم سحرة أو مشعوذين، وربما سيعاقب هذا الشخص لمجرد اتهامه فقط، ويمكن أن يطبق عليه الحد”.
وأوضحت بأنه “من الضروري أن يراعي المجتمع الليبي التفريق بين المرض النفسي والسحر، لأنه هناك خلط كبير بين الأمرين، كما سيعرض هذا القانون بعض الأبرياء للظلم بمجرد الاتهام، خاصة بعد ممارسة بعض الأشخاص للتضليل ونقل الأخبار الكاذبة وبعد البحث والتحري يتضح بأن هذه الأخبار كاذبة وكيدية”.
ولفتت بن عيسى إلى ضرورة دراسة هذا القانون بكافة جوانبه الاجتماعية والنفسية والقانونية، وقالت يجب أن تشكل لجنة مختصة من الأكاديميين والخبراء في الشؤون الدينية، والاجتماعيين والقانونيين وخبراء علم النفس، لأن هذا القانون يمس كل شرائح المجتمع الليبي.
وشددت على ضرورة أن يكون هناك ردع للسحرة والمشعوذين، ولكن يجب أن يكون ذلك بشكل صحيح وأن يتم التعامل فيه بحذر كبير، على ألا يمس حقوق الإنسان ولا يضر بالأبرياء.

صياغة القانون

وبعد تصريحات المتحدث الرسمي لمجلس النواب الليبي بإقرار قانون السحر والشعوذة، في الأيام القليلة الماضية، حتى الآن لم يخرج القانون بشكله النهائي حتى بعد إقراره باعتباره غير نافذ ولم يسر بعد باعتباره لم ينشر في الصحف الرسمية بشكل رسمي.
ويرى الحقوقي أحميد الزيداني، أنه “قانون خطير، لأنه إذا كان القصد من هذا القانون وفق متبنيه لحفظ المجتمع من الضرر الناتج عن السحر والشعوذة، فلا شك بأن ذلك الأمر لا يكون مسوغا لسن قانون معيب وبه العديد من الثغرات التي قد تستخدم لتسوية بعض الحسابات بين الجماعات، وقد يساهم في قتل أنفس معصومة”.
وأضاف: “للأسف هذا القانون يحتاج لإعادة النظر فيه بشكله الحالي، مع العلم أن هذه المسودة المقدمة من هيئة الأوقاف والشؤون الإسلامية هي مسودة شبيها لمشروع قانون سابق عرض على البرلمان في يناير 2021 مع تغيير بعض المواد”.
وأردف، قائلا: “يظل التعليق على هذا القانون بأنه شبيه ببعض القوانين الأخرى التي راعت الشق الموضوعي ولم تراعي الشق الإجرائي من حيث الإثبات ونحوه، لو تم الحديث عن الإثبات عن الجرائم في هذا القانون فإن المادة الرابعة من هذا القانون تتحدث عن الإثبات وأن الجرائم الواردة في هذا القانون ثبت بالإقرار ولو لمرة واحدة، هنا سنقع في إشكالية وهي أن القانون في نص المادة لم يبين ماهية تلك الجهة، إذا تم الإقرار أمام السلطة التنفيذية أو التشكيلات الأمنية وهنا سيكون الإقرار تحت الضغط والإكراه والتعذيب، تركها هكذا قد يثير الكثير من الإشكاليات”.
طرابلس - ليبيا - سبوتنيك عربي, 1920, 09.01.2024
رئيس الأعلى للدولة يرفض تشريعات مجلس النواب التي لا يتشاور معه فيها
وأوضح أن “القانون لم يتحدث عن وسائل السحر والشعوذة والكهنة على نحو خاص، يجب على القانون تحديد ما هي المواد التي تستخدم في السحر وغيرها، التي يعاقب القانون على حيازتها، كان من المفترض ذكر المواد بالتفصيل”.
وأكد بأنه من المواد التي تحدث عنها، في مادة (13) يتم تشكيل لجنة مختصة بقرار من وزير العدل بالتنسيق مع الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية تختص بتحديد مدى اعتبار الفعل من أعمال السحر والشعوذة، أي أن تحديد هذا الفعل من أعمال السحر والشعوذة جعلها من اختصاص لجنة تتشكل من وزارة العدل، كأن هيئة الاتهام أصبحت من لجنة مشكلة لم تحدد معاييرها ومن هم أعضائها، وأن صياغة هذا المادة واسعة وغير دقيقة.
واختتم أحميد بأن “القانون في مجمله وأن كانت هناك حاجة ضرورية لسن هذا القانون يجب أن يتم النظر فيها، وإعادة صياغته لأنه ينتهك الكثير من الحقوق، وسيساهم في قتل أنفس كثيرة، هناك الكثير من الإشكاليات حول هذا القانون”.
زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights