Site icon مصر 30/6

“أحمد إبراهيم” يكتب “السرب”: قفزة في الهواء ..!!!

.. للنجم الأميريكي سالفستر ستالون، الشهير بـ “رامبو” ذكريات لازالت عالقة بأذهان أغلب أبناء الثمانينيات والتسعينيات وحتي لدى شباب وشابات الألفية الجديدة؛ بداية من أفيش فيلمه المبهر وهو محتضناً لسلاحه الفتاك، إلي معاركه الحربية بمشاهدها القتالية الممتلئة بحركاته الرشيقة وضرباته الموجعة، والتي تصاحبها دائماً موسيقى تصويرية متوهجة ساخنة تبعث الحماس أو تأجج القلق بداخلنا أحياناً، وهو ما نجح بإمتياز في صنعه واضعي موسيقي مسلسلات رأفت الهجان والإختيار وكذلك فيلمي ناصر 56 بموسيقاه التصاعدية الثرية وأيضاً فيلم الممر بأغانيه المشرقة بالتحدي وموسيقاه الموحية بالأمل والصمود ..


إلا أن الموسيقى التصويرية لفيلم “السرب” وشريط الصوت والمؤثرات إجمالاً هي الحلقة الأضعف بهذا العمل الحربي الضخم الثري إنتاجياً ودرامياً، فلم تكن موسيقاه بدرجة وفاعلية التأثير التي حققتها سابقاً صناعة هذه النوعية من الأعمال الهامة جداً .. وإن كنت أرى أن موسيقي الفنان عمرو إسماعيل التصويرية بفيلم “خارج علي القانون” أحد العوامل التي تذهب به لقائمة أهم الأفلام المصرية بالألفية الجديدة ..
عو .. عو .. عو
وحقيقة ما أجمل أن يعيش إنسان بوطن يدرك بأن له ظهراً وجيشٌ قويٌ ويداً طولي قادرة علي الثأر والردع اللحظي في حال أي تعدىّ أو عبث بمقدرات وطنه أو حتي الإقتراب من إحدى حُرماته ..
وأهمية فيلم “السرب” ليست فيما يمثله من حادثة وواقعة تاريخية نادرة فحسب، وإنما تمكن في أنه يُشير ويؤكد بأن الوطن والقيادة السياسية ورجال الحرب من أبناء الأفرع المختلفة للقوات المسلحة، جاهزين دائماً للثأر لأبناء مصر العزل إذا ما غرر بهم عدو كاره، سواء أكان من بني جلدة الإرهاب الأسود أو حتي من غيره، فما هي إلا ساعات ويطير نسور الجو لتنفيذ عملية الثأر والإجهاش علي القتلة بليبيا أو بأيً من معاقل الإرهاب بوطننا العربي الثري الجميل شعباً وموارد، الذي مزقه الإرهاب الأسود والأطماع الخبيثة وحولته لدويلات وقبائل وعشائر ..

و”السرب” ليست له حكاية أو سيناريو درامي مبني بالشكل الأرسطي أو بأي من الطرق المعتادة لكتابة الأعمال الدرامية، هو تجميعه من الشخصيات متنوعي الاتجاهات والخلفيات؛ مواطنيين مصريين عادين مسلمين وأقباط، رجال من قادة ومقاتلي القوات المسلحة والمخابرات العامة والحربية، إرهابين مصريين وليبين، وسط مواطنيين وأهالي ليبين، قصص إنسانية للعشرات من الفاعلين تتحرك درامياً في سيناريو واحد لا يتجاوز الساعتين، هو أمر شاق في عملية الكتابة ويحتاج لساحر لا مؤلف عادي، وإن كان كاتب السيناريو “عمرو عبد الحليم” استثمر حيلة ذكية لتجميع عددٍ من إخواننا الأقباط والمسلمين العاملين في ليبيا حول خطاب واحد، يكتبه أحدهم لوالدته يستفيض فيه ويحكي عن نفسه وعن زملائه المغتربين معه من أجل لقمة العيش والذي لا يملك أغلبهم تلفوناً، إلا أنه لم يفلح في التعبير عن مقاتلي السرب الطائر لتنفيذ العملية الهامة والخطيرة، من خلال نسج خلفيات وقصص إنسانية درامية تقربنا من هؤلاء الأبطال صانعي هذه الواقعة والحدث الهام، إلا أنه تمكن من شرح خلفية وتاريخ صناعة الأمير الإرهابي “أبو أسعد الحمراوي” وسر تحوله ليصبح بهذه الصيغة الإنسانية الشريرة، والتي لعبها الفنان “محمد ممدوح” الذي يملك هيئة وعيون قادرة علي تجسيد الشر وإقناعنا به، لولا مشاكل وعيوب واضحة في الأداء الصوتي وفي طريقة نطق بعض الحروف، وهو أمر يحتاج لرعاية واهتمام من الفنان نفسه، الذي يتعرض لما يشبه قصر وكرشة النفس عند نطق وأداء بعض الجمل الحوارية الطويلة، عيباً ضيع الكثير علي ممثل من الممكن أن يكون علامة في تاريخ التمثيل المصري، ويشاركه أيضاً عنصر الاستخبارات “علي المصري” الفنان “أحمد السقا” الذي عرفناه ممثلاً مُجيداً مع بداية ظهوره الفني وحتي وقت قريب، والذي لازال يملك القدرة علي أداء هذه النوعية من أفلام الحركة والإثارة، ولكني لا أعرف بالضبط ماذا أصابه فلقد أصبح منمط متكرر الأداء الصوتي “مولتون” غير قادر علي التعبير بملامح وجهه وهي أهم مفردة وأداة من أدوات الممثل الناجح، إلا أن الفنان عمرو عبد الجليل أو مقاول الأنفار “عم محمد” يفلت من كل هذه العيوب ويقدم أداء إنساني ناعم يتخلله كوميديا هادئة تسلب الضحكات في مشاهده القليلة بالفيلم، وكذلك الفنان دياب مطرب أغاني عوعوعو وغمازات، والذي تخلي عن كل نجومية الغناء ليرسم لنفسه خطاً تمثيلياً يبنأ عما بداخله من ممثل قدير في فئة أدوار الشر …
وصراحة الفيلم إخراجياً بُذل فيه جهداً واضحاً، إلا أنه ضيع علينا فرصة مشاهدة معركة جوية حربية مؤثرة ترسخ بالوجدان، فبالرغم من أن محوري الفيلم هو الثأر لإخواننا الأقباط والعملية الحربية الجوية التي قام به رجال الجو من نسور مصر، وبالرغم من الإنتاج الضخم الواضح علي هذا العمل، إلا أن المعركة الجوية التي نفذت لتفادي صاروخ معادي تمت بطلسأة وبشكل سريع لا يعبر عن المجهود القتالي المبذول في هذه النوعية من المعارك، ولقد كان من الممكن صناعة معركة جوية لا تستغرق عدة دقائق علي الشاشة تأخذ الفيلم بعيد وتجعله متفرداً في تقديم هذه النوعية من المعارك التي لا مثيل لها بأعمالنا الحربية الدرامية ..

سينما الترسو ..
.. كانت فكرة صناعة “سينما الشعب – سينما النهارده بأسعار زمان” التابعة لوزارة الثقافة المصرية فكرة عبقرية، فأن تقدم سينما وأفلام للناس بأقل من نصف ثمن تذكرة السينمات العادية بل بأقل من الربع في الحفلات الصباحية، هو أمراً يراكم في صناعة وجودة الإنسان، ويحقق مكاسب فكرية وثقافية وحضارية لا حصر لها، ومصر بها آلاف القاعات والساحات سواء بقصور وبيوت الثقافة أو بالنوادي ومراكز الشباب، التي من السهل تحويلها لقاعات عرض سينمائي، تحقق الفائدة والمتعة للجماهير، وتصب في صالح الصناعة بمزيد من الجماهيرية ومزيد من الإرادات،

سينما الشعب

ولكن يجب قبل هذا كله تدريب العاملين بالسينمات بداية من موظفي الشباك وحتي رجل عرض الأفلام تدريباً جيداً، فهم بحاجة لإرتداء زي رسمي موحد وعدم عرض الأفلام دون تتر البداية أو النهاية، بقطعها توفيراً للوقت أو لأي شئ آخر غير مفهوم، وكذلك السيطرة وضبط سلوكيات من بالصالة وخاصة من محدثي الجلبة والضجيج أو المدخنين، وأخيراً استحداث منصات إلكترونية للتواصل مع الجماهير من فئة الشباب تحقيقاً لجذب جماهيري أكبر لفئة هامة أغلبها يتميز بالطابع الثقافي، خصوصاً وأن أغلب قصور الثقافة تقع بالقلب من مناطق سكنية ذات كثافة سكانية عالية .. هذا لتتحول “سينما الشعب” هذه العلامة السينمائية المضيئة بواقعنا الفني المصري، لنوع جديد من سينما الترسو، ولكن بفكر جديد وشكل حضاري، لتقبل عليها عائلات وأبناء الأسر البسيطة ..
وتكون هذه البارقة السينمائية بداية لشاشات عرض أكثر تنتشر بكافة أنحاء الجمهورية؛ بمسارح وقاعات الجامعات والكليات والمدارس إلي جانب الأندية ومراكز الشباب، وهو ما يصنع سينما جديدة لها جمهورها ونجومها وصُناعها، وأيضاً تعرض نماذج لأفلام إجتماعية وسياسية وتاريخية وحربية تراعي أهداف وأبعاد الأمن القومي، في ظل مجتمع دولي هائج تغلب الحروب كافة قراراته وتوجهاته ..

قفزة في الهواء ..
وإن كانت أبسط معاني الفيلم الحربي هو الكثير من المعارك بآلات ومعدات القتال العسكرية، أو حتي بالإشتباك المباشر بين فردين، ثم بطل وفريق ممثلين نشط مرن قادر علي الحركة ومعارك الأكشن، فإن الحدوته أو الواقعة التاريخية هي التكأة الأهم والدافع الأقوي لصناعة أي فيلم حربي تاريخي، ومصر بتاريخها الطويل وعلي مر العقود، تملك الكثير من هذه القصص، التي لا يلتفت لها أحد، مستسهلين القوالب والأشكال الدرامية النمطية المكررة، علي عكس السينما الأميريكية التي تمتلك عقلية جهنمية صنعت من رامبو المتمرد القاتل لشعب فيتنام المحتل بطلاً، فأصبحنا نحن أجيال كُثر من أبناء العالم الثالث مخدوعين وأسري لهذه القوة وهذه الهيمنة السينمائية والفكرية الأميريكية المزيفة، وهو ما تحاول أن تقوم به وتصنعه تركيا الآن، من بعث الحلم القديم وإعادة إحياء الإمبراطورية العثمانية، بمسلسلات وأعمال درامية تلقي رعاية من رأس الدولة ذاته، وهو ما نحتاج أن نقوم به ونصنعه في مصر، فيجب أن يكون لدينا مشروعاً وخطة قومية لإنتاج الأعمال الهامة والهادفة، التي لا نراها إلا كل بضعة أعوام، فأصبحت أفلامنا وسينمانا الجادة مجرد قفزة في الهواء تخضع لقانون الصدفة وحده لا بناء علي خطة واضحة المعالم والأهداف..
كوته سينمائية ..
لا أحد يستطيع أن ينكر، أن السينما رفيقة درب السياسة منذ بداياتها الأولي، ولقد تغول صناع الفضاء الدرامي بأهدافهم المختلفة وأستفادو من منجازات التكنولوجية الحديثة، وأصبحت عملية الوصول لأي مادة مرئية أمراً يسيراً سهلاً، ولا يحتاج سوي خبطة أصبع، وهو أمراً يجب ألا نضيعه، فالسينما مسألة مربحة جداً، وحققت تقدماً فنياً وتقنياً وإنتاجياً مذهلاً، ونحن في مصر نملك تاريخ وطاقات هائلة لصناعة نوعية سينمائية جادة وجيدة تُراكم في صالح إنسان مصر وأمنه القومي، فلماذا لا نقر بصناعة كوته سينمائية، بأن يكون هناك فيلماً درامياً سواء أكان حربياً أو اجتماعياً أو سياسياً، يحقق أهداف الأمن القومي المصري كل عام علي مائدة الأفلام السينمائية، هذا الفيلم يتشارك به عدداً من المنتجين وتدعمه الدولة صناعة وتوزيعاً بشاشات العرض السينمائي، فلقد أهلكتنا السينما الأمريكية المتلاعبة والدراما الهندية المشوقة والمسلسلات التركية المبهرة، وأخذت من وقتنا وجهدنا وأموالنا ودموعنا الكثير ..!!!

Exit mobile version