Site icon مصر 30/6

لماذا تسعى القوى الكبرى للسيطرة على المنافذ البحرية الإفريقية؟

حاملة طائرات صينية

بعد ثلاثة أشهر من خطابه أمام البرلمان، والذي تحدث فيه عن ضرورة إيجاد منفذ بحري لبلاده على البحر الأحمر، وقّع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في يناير 2024، مذكرة تفاهم مع سلطات أرض الصومال (غير المعترف بها دولياً)، تسمح لأديس أبابا باستغلال ميناء بربرة لمدة نصف قرن، مقابل حصة في شركة الخطوط الإثيوبية، واعتراف محتمل بالإقليم الواقع شمال الصومال كدولة مستقلة.

ورغم ردود الفعل المنددة الصادرة عن البلدان المجاورة، إلا أن أديس أبابا أكدت أنها ماضية في خطتها لـ”تحرير البلد من سجن الجغرافيا”، كما وصفه آبي أحمد، وإيجاد موطئ قدم لإثيوبيا على البحر الأحمر، يُخولها لعب أدوار جيوسياسية واستراتيجية أكبر في منطقة القرن الإفريقي، وحوض النيل، والبحيرات الكبرى.

وتعكس رغبة إثيوبيا في إيجاد منفذ بحري، مقدار الأهمية التي يحظى بها مجال الموانئ في القارة الإفريقية، ورغم أن نشاط القارة البحري لا يُمثل سوى 3% من التجارة العالمية و4% من حركة الحاويات، إلا أن ثقلها الجيوستراتيجي وحيوية ممراتها البحرية، لاسيما فيما يتعلق بتوريد المواد الخام، جعل منها أهدافاً استراتيجية للقوى الدولية الكبرى، التي تسعى لعقد شراكات استثمارية مع حكومات البلدان الإفريقية تُقدر بمليارات الدولارات، وتشمل بناء وتحديث واستغلال الموانئ، خاصة في خليج غينيا، والساحل التنزاني.

نفوذ صيني متصاعد

عملت الصين على ضم إفريقيا لخطتها المعروفة باسم “عقد اللؤلؤ”، بهدف ضمان إمداداتها من المواد الخام، انطلاقاً من نقاط بحرية تمتد من بحر الصين الجنوبي، وصولاً إلى البحر الأحمر وسواحل بلدان القرن الإفريقي.

ووضعت بكين المسارات البحرية الإفريقية ضمن استراتيجيتها الشاملة “الحزام والطريق”، التي تطمح إلى توسيع نفوذها التجاري والاقتصادي في أسواق آسيا وإفريقيا وأوروبا.

ونظراً لكون معظم قوة الصين الاقتصادية تكمن في عمليات التصدير، و80% من التجارة العالمية تتم عبر البحار، ركّز القادة الصينيون خلال العقدين الأخيرين على توسيع الموانئ في إفريقيا، وإنشاء مبادرة “الحزام والطريق”، كما أشارت إلى ذلك الباحثة في معهد الدراسات الصينية الأميركية في واشنطن جيسيكا مارتن.

وتتنوع تدخلات الصين في ميدان الموانئ بحسب احتياجاتها، بين الإنشاء الكلي أو تقديم التمويلات أو التشغيل والتطوير، وتتواجد الشركات الصينية في أكثر من 46 ميناءً أو محطة بحرية في 25 بلداً إفريقياً من أصل 37 تمتلك سواحل عميقة.

وقالت جيسيكا مارتن إن هذه الشركات تنشط بشكل كبير في البلدان المطلة على المحيطين الأطلسي والهندي، لكن تَعُوزها الإمكانيات لإنشاء البنى التحتية اللازمة، مشيرةً إلى أن الصين تعمل على تعميق العلاقات التجارية والسياسية مع الدول ذات الدخل المنخفض، التي تحتاج إلى مساعدة اقتصادية ملموسة.

وتبلغ مشاريع الموانئ الصينية في غرب إفريقيا أكثر من 28 مشروعاً، تمتد على طول المحيط الأطلسي، فيما تضم منطقة شرق إفريقيا 21 ميناءً تُطل على الممرات البحرية الحيوية في المحيط الهندي، وطرق إعادة الشحن عبر قناة السويس. 

وتوجد على الواجهة المتوسطية لشمال القارة 5 موانئ صينية، 4 منها في مصر، يتركز نشاطها بشكل أساسي على تجارة الحاويات في قناة السويس. 

كما لدى الصين حضور في جنوب القارة الإفريقية، لكن بشكل أقل، وذلك لاعتبارات تتعلق باستحواذ الحكومات المحلية على معظم الموانئ.

وفازت الشركة الصينية للاتصالات والإنشاءات “CCCC”، الذراع الاستثماري لبكين في مجال بناء الموانئ الإفريقية، بعقود في 38 ميناءً على الأقل، وهي مجموعة مملوكة للدولة، تتألف من شركات متخصصة في تصميم البنى التحتية والبناء والتشغيل، وقد نفذت عدداً من المشاريع في 46 دولة إفريقية.

وتُعد شركة الصين لهندسة الموانئ CHEC التابعة لشركة “CCCC “الفرع الأكثر نشاطاً، إذ شاركت في إنجاز 30 مشروعاً من أصل 38 من المشاريع التي تم الاتفاق عليها بين الصين والبلدان الإفريقية.

وتحرص بكين على توزيع انتشارها الجغرافي بين أهم المحاور البحرية في القارة الإفريقية، كما أن حضورها يتفاوت بين دولة وأخرى بحسب الأهمية الاستراتيجية، ووقعت الصين مشاريع مختلفة في موانئ مهمة مثل ميناء جيبوتي في جيبوتي، وبورتسودان في السودان، وبورسعيد على البحر المتوسط وبور توفيق على خليج السويس والعين السخنة في مصر، وميناء جرجيس في تونس، وميناء الحمدانية في الجزائر.

من البحر إلى البر

وضمن خطتها لضمان استدامة سلاسل التوريد، تعمل بكين على ربط الموانئ بمنشآت طرقية وسكك حديدية ضمن الاستراتيجية المعروفة “من البحر إلى البر”، وحيث تتركز هذه الخطة على 16بلداً إفريقياً لا تتوفر على واجهات بحرية، مثل أنجولا، والكونغو الديمقراطية، وتنزانيا، وزامبيا، وزيمبابوي.

وأنشأت الصين خطاً للسكك الحديدية، يربط حقل الحديد بيلنجا بميناء سانتا كلارا في الجابون. وتدرس أيضاً ربط مدينة قابس التونسية، التي تُعد مركزاً للصناعات البتروكيماوية، وتحويل الفوسفات بسكة حديد في ميناء جرجيس على البحر المتوسط.

كما أجرت الصين عمليات تطوير في موانئ الحاويات المصممة للشحن السريع وإعادة الشحن، وموانئ خاصة بالمعادن تتصل مباشرة بمناجم لنقل المواد الخام من الفوسفات، والنحاس، والكوبالت، والذهب، وخام الحديد، والكاكاو، والبوكسايت، والفحم، والليثيوم، والصلب، والجرانيت، والرخام.

ورأت الباحثة جيسيكا مارتن أن استثمارات الصين في الموانئ الإفريقية هي جزء من استراتيجية طويلة الأمد تهدف لتحقيق مرونة اقتصادية ودعم سوق التصدير الخاص.

وتُقدر استثمارات الصين في قطاع البنى التحتية للمواصلات بــ 24مليار دولار إلى غاية العام 2018، ما يُمثل أكثر من 34% من استثماراتها في القارة السمراء. 

Exit mobile version