من المتوقع أنَّ عدد المرافق النووية التي يلزم إخراجها من الخدمة سوف يشهد زيادة كبيرة خلال الفترة الممتدة بين عشر سنوات وعشرين سنة مقبلة. ولا يمكن الوقوف على علاقة بسيطة بين عمر المرفق وموعد إغلاقه الدائم، لأنَّ هناك عوامل متعددة تؤثِّر في اتِّخاذ هذا القرار، بما في ذلك القوى السياسية والاقتصادية. وقد يتوقف موعد الإغلاق أيضاً على تكاليف الصيانة والتجديد وظروف سوق الكهرباء، من بين عوامل أخرى. بيد أنَّ السياسات الحكومية صارت تروج بصورة متزايدة لاستراتيجيات قائمة على التفكيك الفوري بما يتوافق مع مبادئ الاستدامة، تلافياً لتوريث الأعباء المرتبطة بالإخراج من الخدمة، مثل التصرف في النفايات، للأجيال المقبلة. وأحد الاعتبارات المهمة أيضاً هو مدى قابلية المواقع لإعادة الاستخدام سواءً لتشييد مرافق نووية جديدة أو لأغراض أخرى.
الفترة الزمنية والميزانية
ينطوي إخراج مرفق نووي كبير الحجم من الخدمة على عملية معقدة عادة ما تتطلب فترة زمنية طويلة وميزانية كبيرة. وعلى سبيل المثال، عادة ما تتراوح تكلفة الإخراج من الخدمة في حالة مفاعلات القوى النووية، بما في ذلك تكاليف التصرف في النفايات، بين 500 مليون دولار و2 مليار دولار، مع مراعاة أنَّ التكلفة تزيد كثيراً في حالة المفاعلات المهدَّأة بالغرافيت المبردة بالغاز مقارنة بمفاعلات الماء المضغوط أو الماء المغلي، بالنظر إلى أنَّها أكبر حجماً وأكثر تعقيداً بكثير. وعادة ما تستغرق عملية الإخراج من الخدمة فترة بين 15 إلى 20 عاماً، لكن هذه الفترة يمكن أن تطول أو تقصر. أمَّا في حالة مرافق دورة الوقود النووي الكبيرة الحجم، مثل المرافق المستخدمة في إعادة معالجة الوقود المستهلك، فعادة ما تبلغ تكلفة إخراج المرفق من الخدمة نحو 4 مليارات دولار، ويمكن أن تستغرق العملية 30 عاماً حتى تكتمل. وفي حالة مفاعل بحوث تبلغ قدرته الحرارية 10 ميغاواط، يمكن أن تزيد التكلفة على 20 مليون دولار وأن يستغرق تنفيذ العملية ما بين 5 و10 سنوات. بيد أنَّ التكلفة تتوقف على حجم المفاعل والغرض منه وتاريخه التشغيلي. ومع ذلك، فهناك بعض الأمثلة الناجحة التي تشير إلى إمكانية تنفيذ الإخراج من الخدمة بعمليات أكفأ من حيث الوقت والتكلفة.
أبرز التحديات التي تواجه صناعة الإخراج من الخدمة
بالنظر إلى الزيادة المتوقعة في عدد المرافق النووية التي ستخضع للإغلاق الدائم من الآن وحتى عام 2050، فسوف يلزم توفير قدر كبير من الموارد – البشرية والمالية – لتنفيذ ما سيقتضيه ذلك من برامج الإخراج من الخدمة، والتي سيمتدُّ بعضها حتى نهاية هذا القرن. وفي حالة المرافق التجارية، جرت العادة على تخصيص أموال أثناء مرحلة التشغيل لتغطية تكاليف الإخراج من الخدمة. ومع ذلك، فهناك عدد كبير من المرافق التي يُموَّل إخراجها من الخدمة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من الموارد الحكومية. وفي هذه الحالات، يمكن أن يؤدي عدم توافر التمويل الكافي إلى تأخير التنفيذ. وسوف يتطلب تنفيذ برامج الإخراج من الخدمة في المستقبل أيضاً توافر قوة عاملة عالية المهارات وكبيرة الحجم. ويُعدُّ تشجيع الشباب على العمل في مجال الإخراج من الخدمة والتصرف في النفايات المشعة واحداً من أهم التحديات التي تواجه قطاع الصناعة في الوقت الراهن .
إعادة تدوير مواد النفايات وإعادة استخدامها
وتنتج عن أنشطة الإخراج من الخدمة كميات كبيرة من المواد والنفايات، معظمها غير ملوث إشعاعيًّا. وهناك جهود تُبذل حاليًّا لضمان إعادة تدوير أو إعادة استخدام نسبة كبيرة من هذه النفايات غير المشعة، بما يشمل المعادن والحطام الخرساني والأتربة، وفقاً لمبادئ الاقتصاد الدائري (انظر الصفحة 28). وفي بعض الحالات، يمكن استخدام الركام الناتج من أعمال الهدم لملء الفراغات الناجمة عن إزالة الهياكل القائمة تحت مستوى سطح الأرض. ويجري النظر أيضاً في التوسع في إعادة تدوير الخردة المعدنية، بما في ذلك لإعادة استخدامها في قطاع الصناعة النووية.
وعادة ما تبلغ نسبة المواد الملوثة إشعاعيًّا من جملة المواد الناتجة عن الإخراج من الخدمة نحو خمسة في المائة، منها نسبة كبيرة ذات مستويات نشاط إشعاعي ضعيفة للغاية ومن ثم يناسبها التخلص منها في مستودعات قريبة من سطح الأرض. وهناك نسبة صغيرة من المواد الملوثة إشعاعيًّا (أقل من خمسة في المائة من مجمل المواد الناتجة) لا يناسبها الإعفاء من التحكم الرقابي أو التخلص منها قرب سطح الأرض، بسبب ارتفاع مستويات النشاط الإشعاعي ووجود نويدات مشعة عالية النشاط أو طويلة العمر؛ ويجري التخلص من هذه النفايات في نهاية المطاف بطريقة مأمونة في مرافق تخلص تحت سطح الأرض.
تلبية احتياجات المستقبل
بالنظر إلى مدى الاحتياجات المتعلقة بالإخراج من الخدمة في المستقبل، وإمكانية استخدام التكنولوجيات الجديدة والناشئة لتحسين كفاءة الإخراج من الخدمة، فمن المرجح أنَّ عملية تنفيذ المشاريع سوف تطرأ عليها تغيُّرات كبيرة في المستقبل القريب، بعد اعتماد هذه التكنولوجيات على نطاق واسع وثبوت فعاليتها من حيث التكلفة. وتشمل التطورات تطبيق التقنيات الرقمية دعماً للتخطيط ولتحسين تنفيذ المشاريع وصولاً للمستوى الأمثل، والتوسُّع في استخدام الأدوات المشغَّلة عن بُعد، بما في ذلك الطائرات بلا طيار والروبوطيات لتقطيع مكونات المحطات ومناولة المواد وأخذ القياسات وإزالة التلوث، وزيادة الأتمتة في أنشطة التصرف في النفايات واستخدام الذكاء الاصطناعي .
وتؤدي سلسلة الإمداد دوراً حاسم الأهمية في ضمان تنفيذ المشاريع في المستقبل بأكبر قدر ممكن من الفعالية والكفاءة. وهناك مؤشرات تدلُّ بالفعل على أنَّ المنظمات المعنية بسلاسل الإمداد تعمل على إرساء الخبرات اللازمة لتقديم طائفة أوسع من خدمات الإخراج من الخدمة في مجالات مثل البحث والتطوير فيما يتعلق بالتكنولوجيات الجديدة، والهندسة، والتفكيك، والتصرف في النفايات المشعة. وشهد مجال الإخراج من الخدمة في الآونة الأخيرة تطوُّراً فيما يخصُّ محطات القوى النووية، وهو ظهور اتحادات تجمع بين عدة شركات متخصصة لتنفيذ مشاريع الإخراج من الخدمة بالكامل في حدود ميزانية ثابتة، باتباع نُهُج موحَّدة مع تحمُّل جميع المخاطر المرتبطة بتلك المشاريع .
ما المقصود بإخراج المرافق النووية من الخدمة؟
في قطاع صناعة الطاقة النووية، يُستخدم تعبير ’الإخراج من الخدمة‘ بوصفه مصطلحاً جامعاً تندرج تحته جميع الأنشطة التي تمكِّن من إغلاق المرافق النووية بصفة دائمة وإزالة التلوث منها وتفكيكها ثم إعفائها من التحكم الرقابي. ولا تكتمل عملية الإخراج من الخدمة إلى حين إزالة المواد المشعة وسائر المواد الخطرة من الموقع، وتجهيز المباني والأراضي التي كانت تُستخدم قبل ذلك بوصفها مرافق نووية للاستعمال في أغراض جديدة. وتنطوي الخطوة الأخيرة (من عملية الإخراج من الخدمة) على إجراء عمليات مسح مستفيضة للتأكد من عدم وجود أي مستوى ذي شأن من النشاط الإشعاعي في الموقع، ومن ثم التمكين من إعفاء الموقع من التحكم الرقابي.