كيف تتعامل الدول المثقلة بالديون في الشرق الأوسط مع ديونها؟
دراسة حالة مصر
تقارير تسلط الضوء على دور الاقتراض الحكومي في التأثير في الاستقرار المالي للاقتصادات في الشرق الأوسط.
مستوى قياسي للدين العالمي خلال الربع الأول من عام 2024، ارتفع الدين العالمي على نحو كبير بلغ 1.3 تريليون دولار، ليصل إلى أعلى مستوى على الإطلاق عند 315 تريليون دولار. وتمثل هذه الزيادة الربع الثاني على التوالي الذي يرتفع فيه الدين العالمي.
ويعد المحرك الأساسي لهذا الارتفاع الاقتصادات الناشئة، التي ارتفعت مستويات ديونها إلى أكثر من 105 تريليونات دولار. وهذا الرقم أعلى بنحو 55 تريليون دولار مما كان عليه قبل عقد، وفقًا لمعهد التمويل الدولي.
تشير الميزانيات العمومية للأسر إلى الحالة المالية لها، بما في ذلك أصولها والتزاماتها. وعندما تكون هذه الميزانيات العمومية قوية أو مرنة، فإنها يمكن أن تساعد الأفراد على إدارة معدلات الفائدة المرتفعة بشكل أفضل، ما قد يخفف من تأثير زيادة تكاليف الاقتراض.
ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه المرونة النسبية، فإن عجز الموازنة الحكومية لا يزال أعلى مما كان عليه قبل الوباء. ويحدث عجز الموازنة عندما تنفق الحكومة أكثر مما تحقق.
ومن المتوقع أن يضيف هذه العجز المرتفع نحو 5.3 تريليون دولار إلى إجمالي الدين العالمي هذا العام، ما يسهم بشكل كبير في الزيادة الإجمالية في الدين العالمي.
وعلق كبير المحررين الاقتصاديين والمحللين في شركة تي ماتريكس ومقرها مصر، هيثم الجندي، على ذلك في حديثه لفوربس الشرق الأوسط قائلًا إن الشعور بالرضا بين الدول المثقلة بالديون، وخصوصًا النامية، قد يدفعها إلى نقطة حرجة. ويعني هذا أن هذه الدول غالبًا ما تتجاهل أو تقلل من شأن المخاطر التي قد تترتب على تحول الظروف المالية العالمية فجأة إلى ظروف أكثر تقييدًا.
وأضاف الجندي أن العديد من الدول ذات التصنيف الائتماني الضعيف استغلت فترات طويلة من تكاليف الاقتراض الرخيصة، ما أدى إلى تراكم ديون ضخمة. وعندما ارتفعت معدلات الفائدة العالمية في نهاية المطاف، وجدت هذه الدول نفسها غير قادرة على تحمل تكاليف قروض جديدة أو إدارة ديونها القائمة، ما أدى إلى انخفاض حاد في قيمة عملاتها ومواجهة ضغوط اقتصادية شديدة.
بعد أن رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي معدلات الفائدة 11 مرة بين مارس 2022 ويوليو 2023، ارتفعت قيمة الدولار الأميركي بشكل كبير.
وجعل هذا الدولار القوي استيراد السلع أكثر تكلفة بالنسبة للدول، إذ احتاجت إلى المزيد من عملتها الخاصة لشراء نفس الكمية من السلع الأجنبية.
وبالنسبة للدول المثقلة بالفعل بالديون بالعملات الأجنبية، صعب هذا الوضع من عملية سداد ديونها لأنها أصبحت أكثر تكلفة.
هل بدأت الزيادة السريعة والمتصاعدة في مستويات الديون في التباطؤ أو الاستقرار أخيرًا؟
في سلسلتنا هذه سنتعمق بنظرة أكثر شمولًا إلى الأوضاع في مصر ولبنان، على أن تغطي الحلقات القادمة دولًا أخرى في الشرق الأوسط.
مصر.. مشاريع ضخمة وديون تقوض الاقتصاد استثمرت مصر لسنوات بكثافة في مشاريع واسعة النطاق، ومولت هذه المشاريع من خلال الديون، ونتيجة لذلك، أصبح اقتصاد الدولة الآن مثقلًا بمستويات عالية من الديون ومعدلات تضخم مرتفعة مكونة من رقمين وعملة ضعيفة.
وقد أدى ذلك إلى أن تصبح مصر ثالث أكبر مدين لصندوق النقد الدولي اعتبارًا من 13 أغسطس 2024.
خلال السنوات الخمس الماضية، ارتفع الدين الخارجي لمصر بنحو 59.3 مليار دولار، ليصل إلى مستوى قياسي بلغ 168 مليار دولار، وهو ما يمثل 43% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد اعتبارًا من ديسمبر 2023.
تعكس هذه الزيادة الكبيرة في الديون التحديات الاقتصادية المستمرة. ومع ذلك، تغيرت التوقعات المالية لمصر بشكل كبير في فبراير 2024 عندما استقطبت أكبر استثمار أجنبي لها على الإطلاق، إذ تلقت 35 مليار دولار من الإمارات.
تم تخصيص هذا الاستثمار الكبير لتطوير مدينة رأس الحكمة كجزء من مخطط التنمية العمرانية لمصر 2052. تركز الخطة على إنشاء مجتمعات حضرية متكاملة وتعزيز النمو المستدام.
وبعد شهر من حصول مصر على استثمار أجنبي بقيمة 35 مليار دولار من الإمارات لمشروع مدينة رأس الحكمة، انخفض الدين الخارجي للبلاد بشكل ملحوظ إلى 160.6 مليار دولار.
ويرجع هذا الانخفاض في الديون إلى حد كبير إلى إعلان شركة القابضة إيه دي كيو أنها ستحول 11 مليار دولار من ودائعها إلى استثمارات في مشاريع رئيسية في جميع أنحاء مصر.
وتعد هذه الخطوة جزءًا من مبادرة رأس الحكمة وتهدف إلى تعزيز النمو الاقتصادي والتنمية من خلال دعم المشاريع المهمة التي تسهم في الاستقرار المالي الشامل للبلاد وتقدمها.
في يوليو 2024، كشف رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي أن الدين الخارجي لمصر انخفض بشكل ملحوظ بأكثر من 14.2 مليار دولار في 5 أشهر فقط منذ ديسمبر 2023 ليصل إلى نحو 153 مليار دولار.
ويمثل خفض الدين الخارجي لمصر بنحو 14.2 مليار دولار انخفاضًا بنسبة 4.4% عن أعلى مستوى له، ما يشير إلى تحسن متواضع في وضع ديون البلاد.
ومع ذلك، فإن هذا التطور الإيجابي يخفف من وطأة انخفاض قيمة الجنيه المصري بشكل كبير، الذي انخفض بنحو 37.4% مقابل الدولار الأميركي حتى الآن هذا العام.
ويثير هذا الانخفاض الحاد في قيمة العملة مخاوف بشأن عبء الديون المتزايد على مصر، لأن ضعف الجنيه يجعل خدمة الديون المقومة بالعملات الأجنبية أكثر تكلفة.
وعلى الرغم من خفض إجمالي الدين، فإن انخفاض قيمة العملة قد يؤدي إلى تفاقم عدم الاستقرار المالي وتعقيد الجهود الرامية إلى إدارة الدين وخفضه بشكل فعال.
سعر صرف قوي بشكل مصطنع صرح الخبير الاقتصادي العالمي المخضرم الذي عمل في صندوق النقد الدولي لمدة تقارب العشرين عامًا، جيرفين بيل، لفوربس الشرق الأوسط إن مصر لديها تاريخ في إخفاء الضغوط المالية الخارجية المتزايدة.
وترجع هذه الضغوط في المقام الأول إلى سياسات محلية غير مستدامة. فقد استخدمت مصر “سعر صرف قوي بشكل مصطنع” كاستراتيجية لإخفاء المدى الحقيقي لصعوباتها المالية. ومن خلال الحفاظ على سعر الصرف أعلى مما ينبغي له أن يكون عليه بشكل طبيعي، يمكن لمصر أن تجعل وضعها المالي يبدو أكثر استقرارًا مما كان عليه في الواقع، وبالتالي إخفاء التأثير الحقيقي لتحدياتها الاقتصادية.
ويوضح بيل أن استخدام “سعر صرف قوي بشكل مصطنع” ليس نهجًا مستدامًا لإدارة الضغوط المالية. ونتيجة لذلك، شهدت مصر انخفاضات كبيرة ومفاجئة في قيمة عملتها في نقاط زمنية مختلفة – وتحديدًا في أعوام 2002، و2016، و2022، و2024.
وقد حدثت هذه الانخفاضات عادة في سياق البرامج مع صندوق النقد الدولي، التي غالبًا ما تتطلب تعديلات العملة كجزء من الإصلاحات الاقتصادية الأوسع نطاقًا.
أزمة مستمرة ومخرج إيجابي أظهر تقرير المراجعة الثالثة لبرنامج صندوق النقد الدولي لمصر تقييمًا متباينًا للوضع الاقتصادي في البلاد. فمن الناحية الإيجابية، أقر التقرير ببعض التقدم في تحسين الاستقرار الاقتصادي العام.
أزمة مستمرة ومخرج إيجابي
أظهر تقرير المراجعة الثالثة لبرنامج صندوق النقد الدولي لمصر تقييمًا متباينًا للوضع الاقتصادي في البلاد. فمن الناحية الإيجابية، أقر التقرير ببعض التقدم في تحسين الاستقرار الاقتصادي العام.
ويرجع هذا التقدم إلى جهود مصر في الحفاظ على الانضباط المالي، وتنفيذ سياسة نقدية صارمة، وتبني نظام سعر صرف مرن.
ومع ذلك، سلط التقرير الضوء أيضًا على التحديات الكبيرة المستمرة. وتشمل هذه التحديات التوترات الجيوسياسية التي قد تؤثر في الاستقرار الاقتصادي، والعجز المالي المستمر (حيث يتجاوز الإنفاق الحكومي الإيرادات)، ومعدلات التضخم المرتفعة، ومستويات الدين التي تجاوزت الأهداف التي حددتها الخطط الاقتصادية.
في يوليو 2024، أدت المراجعة إلى الموافقة على صرف نحو 820 مليون دولار لدعم جهود الإصلاح الاقتصادي في البلاد.
ويشير بيل إلى أن هناك حاجة إلى قدر كبير من العمل لمعالجة التحديات المالية التي تواجهها مصر، وخصوصًا مع توقع ارتفاع تكلفة خدمة الدين (مدفوعات الفائدة) مع ارتفاع مستويات الدين. ومن المرجح أن تكون عملية إجراء هذه التعديلات المالية الضرورية صعبة، استنادًا إلى الخبرات السابقة.
بالإضافة إلى ذلك، هناك مخاطر جيوسياسية من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم الوضع، مثل الانخفاضات المحتملة في الإيرادات من قناة السويس، وهي مصدر دخل رئيسي لمصر.
وعلى الرغم من الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها، نجحت مصر في تجنب أزمة مدفوعات خارجية فورية من خلال الاستفادة من أهميتها الجيوسياسية، ففي أوقات الطوارئ المالية، تمكنت مصر من الاعتماد على الدعم من دول أخرى، وخصوصًا تلك الموجودة في منطقة الخليج.
ويشير بيل إلى أنه في حين تظل معالجة الأزمة المالية في مصر وتأثيرها في استقرار البلاد هدفًا للولايات المتحدة، فإنها لا تشكل حاليًا أولوية قصوى، ويستند هذا التقييم إلى تصريحات صدرت مؤخرًا عن مسئولين أميركيين.
وفي الوقت نفسه، لاحظ مجلس العلاقات الخارجية أن حل الصراع في غزة قد يفيد مصر اقتصاديًا. وعلى وجه التحديد، فإن إنهاء الحرب قد يعزز إيرادات مصر، لأنه قد يؤدي إلى زيادة الفرص أمام الشركات المصرية للمشاركة في إعادة إعمار غزة.
ومن الممكن أن يوفر هذا الانخراط دفعة قوية للاقتصاد المصري من خلال توسيع دوره في التنمية الإقليمية وزيادة تدفقاته المالية.
أشار بيل إلى أنه على الرغم من أي فوائد أو تحسينات محتملة، فإن الأداء الاقتصادي لمصر لم يكن ناجحًا بشكل خاص، ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه.