العالم كله أصبح حلبة صراع، واشتعال منطقة أو أخري في أي لحظة بأي بقعة، أصبح أمراً وارداً بل وواقعاً يتكرر، فأمريكا تفرض حصاراً قاتلاً علي كوبا منذ ستينيات القرن الماضي، وتتحرش بدول عدة بحجج شتي؛ مرة لإمتلاك سلاح نووي أو وجود أسلحة بيولوجية أو لمحاربة الإرهاب ومؤخراً للقضاء علي المخدرات .. غواصة نووية وأكبر حاملة طائرات أمريكية تبحر في المياة الإقليمية لدولة فنزويلا البلوفارية والسبب قارب صغير يمتلأ بالمخدرات ..!!
جمال عبد الناصر
.. عالم هش تعبث به إمبراطورية غاشمة ..
من هنا تأتي أهمية إمتلاك السلاح المتطور، بل وتصنيعه وهو ما انتهجته مصر 23 يوليو 1952 لتصنيع وتطوير السلاح، بداية من إنشاء مصنع 27 الحربي – 270 الحربي اليوم – والذي افتتحه الرئيس جمال عبدالناصر يوم 23 أكتوبر 1954 احتفالاً بتصنيع أول طلقة مصرية ..
لتكمل دولة 30 يونيو 2013 هذه الرؤية والاستراتيجية، بإعادة إحياء المصانع العسكرية وتطويرها، والدخول في شراكات استراتيجية مع مصنعين كبار بدول عريقة بالتصنيع العسكري، مثل فرنسا وكوريا الجنوبية والصين وتركيا، هذا إضافة لتدشين الحدث الأهم بالصناعات العسكرية وهو معرض EDEX والذي افتتح نسخته الأولي الرئيس عبد الفتاح السيسي يوم 3 ديسمبر 2018 لتكون هذه البداية نقطة الإنطلاق نحو عالم التصنيع العسكري ..
الرئيس السيسي
قفزات
ومنذ أن دُشن معرض مصر الدولي للصناعات الدفاعية والأمنية، والأرقام تشير إلي أن يوم الإنطلاق والبداية لمعرض EDEX في الثالث من ديسمبر 2018 كان عدد الدول المشاركة 41 دولة من المهتمين بالتصنيع العسكري، بعدد 300 عارض، يمثلون 350 شركة محلية وعالمية.
النسخة الافتتاحية
أما عن نوعية السلاح المعروض بالنسخة الأولي، فكانت تتركز أغلبها بأجنحة اللاعبين الرئيسين بمجالات تصنيع السلاح من الشركات العالمية، والمشاركة بمنتجات تقليدية من أنظمة أرضية وبحرية وجوية، وحققت هذه النسخة نجاحاً ملحوظاً، فلقد تم إختيارها كأفضل معرض تجاري عالمي في2018 من منظمة en award لتكون هذه النسخة بمثابة الإنطلاقة والتدشين لمكانة مصر كمنصة إقليمية في مجالات وأسواق بيع السلاح بالمنطقة العربية والشرق الأوسط .
طائرات دون طيار
ثم تجئ النسخة الثانية EDEX 2021التي زاد عدد العارضين فيها لـ 400 عارض، من 42 دولة .. لتشهد هذه النسخة ظهوراً لنوعية سلاح جديدة، وتحديداً الطائرات دون طيار “UAVs / الدرونز” إضافة لظهور الأهمية العسكرية للمركبات المُدرعة بميادين المعارك الوعرة، والموجهة خصيصاً لمحاربة الإرهاب، وأيضاً ظهور عدد أكبر من معدات وأجهزة الحلول الالكترونية والاتصالات العسكرية، لتشهد هذه النسخة ظهوراً واضحاً لنوعيات جديدة من التسليح المصري وصور أقوى للقدرات المصرية والتي تمثلت في المدرعة “سينا 200” إضافة إلى قذيفة الأعماق “نورس 1” التي يمكنها إصابة الأهداف على عمق 500 متر تحت سطح البحر.
أول راجمة صورايخ مصرية
أما النسخة الثالثة EDEX 2023 فلقد إقترب عدد العارضين من 500 عارض دولي ومحلي، كما بلغ عدد الدول/الأجنحة الوطنية 22 جناحًا ومشاركة 46 دولة .
ولقد شهدت النسخة الثالثة نوعية مختلفة ومتطورة من السلاح المعروض، وهو ما قدر بـ 53 منتج مصري والتي كان من أبرازها، ظهور أول طائرة مصرية بدون طيار حورس 1 وكذلك أول راجمة صوارخ مصرية رعد 200 والمدفع الكوري الجنوبيK9 Thunder والفرقاطة ميكوA-200 والمدرعة Sena 200 IFV إضافة لمجموعة قنابل جوية Hafez وإلكترونيات ومراكز قيادة متنقلة.
ولقد شهدت هذه النسخة تحوّلاً واضحاً يشير لتعميق التصنيع المحلي للسلاح، وبدأ مصر التموضع كلاعب جديد وهام بسوق السلاح.
EDEX 2025
أما هذا العام فلقد جاءت النسخة الرابعة من المعرض بعدد 25 جناح لـ 25 دولة، كما تم استقبال وفود لأكثر من 100 دولة، لتظهر بهذه النسخة المسيرات الإنتحارية جبار 150 وجبار 200 والتي تمثل نقلة نوعية في عمليات التصنيع العسكري المصري، خصوصاً بهذه النوعية من السلاح، التي كان لها الفضل في إحداث تأثير واضح في حسم العديد من المعارك الحربية، هذا إضافة لراجمة الصوارخ رعد 300وكذلك المنظومة المتكاملة لمجابهة الطائرات المسيرة والتى تتكون من رادار ثلاثى الأبعاد والتي تعمل بالذكاء الاصطناعى، وأيضاً النظام الصاروخى صقر 105 لإطلاق المقذوفات الصاروخية ضد الأهداف المدرعة .. كل هذه النوعيات من السلاح التكتيكي والمتطور، تعد نقالات وقفزات كبري وهامة في مجال تصنيع السلاح، فبعض الشركات المصرية المصنعة للسلاح كان يقتصر إنتجها علي المدرعات و ناقلات الجنود أو السيارات المصفحة، أما اليوم فهذه الشركات تنتج مسيرات إنتحارية وزوارق بحرية وسيارات مصفحة مزودة بتكنولوجيا متطورة تمكنها من إدارة المعارك الحربية من قلب الميدان.
تحديات
بالرغم من النجاحات الكبري في مجال تصنيع السلاح وتصديره إلا أن هناك عدد من التحديات التي تواجه مصر في هذا المجال الحيوي، وهي تحديات اقتصادية وفنية وبعضها مرتبط بالسوق العالمية لتصدير السلاح، فمثلا التحديات الصناعية والتقنية؛ تتمثل أغلبها في الاعتماد على مكوّنات مستوردة، والتي هي في الغالب مكوّنات إلكترونيات، أنظمة توجيه، محركات، وهو ما يسبب ارتفاع التكلفة وتعطل الإنتاج، إضافة لحظر الدول الموردة تصدير أو نقل التكنولوجيا فالشركات العالمية لا ترحب بنقل تكنولوجيا السلاح، كما أن تكلفة تطويرالسلاح الحديث تعد باهظة وتحتاج لمراكز أبحاث و معامل متقدمة وهو ما يكلف المليارات، كما أن سوق السلاح العالمي يشهد منافسة قوية ليس من المصنعين الكبار كأميريكا وروسيا والصين وفرنسا فقط، بل ومن دول إقليمية كتركيا والإمارات وكوريا الجنوبية وجنوب إفريقيا والكيان الصهيوني الذي يقتنص وحده نسبة 2.5 % من مبيعات سوق السلاح العالمي.
صندوق سيادي للتصنيع العسكري
إن النسخة الأخيرة من معرض مصر للصناعات العسكرية 2025 EDEX تشير إلي أنه أصبح لدينا جيل جديد من العقول الشابة الواعدة القادرة علي تصنيع السلاح وتطويره – شباب أغلبهم مهندسين بالعشرينيات من خريجي الكليات العسكرية والجامعات المصرية – وهو ما يستوجب تدشين صندوق سيادي للتصنيع العسكري المصري .. يوفر التمويل ويدفع بالصناعات العسكرية المصرية لأفق أبعد، كما يحقق أبعاداً تنموية استثمارية، من خلال جذب مزيد من الأموال والاستثمارات العربية والعالمية، وكذلك دعم الاقتصاد الوطني من خلال توفير السيولة من العملة الصعبة، وأيضاً تمويل عجز الموازنة إذا لزم الأمر، كما يمكن مشاركة المؤسسات والأفراد في تمويله، بما يعد مشروعاً وهدفاً قومياً لإنسان مصر المعاصر ..