مقالات وأراء

لواء دكتور “سمير فرج” يكتب: حرب أكتوبر .. ملحمة كفاح ..  

بطولات الجيش المصري في حرب الاستنزاف لازالت محفوظة في التاريخ..

حرب أكتوبر 1973 هي أغلى الحروب التي خاضتها مصر في العصر الحديث، خاصةً أنها جاءت بعد هزيمة الجيش المصري في 5 يونيو 1967. وبعدها دخلت القوات المصرية في حرب الاستنزاف التي استمرت لمدة ست سنوات، وتعلمنا فيها الكثير حتى تحقق ذلك النصر العظيم.

وعلي مدار أكثر من خمسون عاما كانت وقائع تلك الذكري الغالية، تجدد في قلبي ووجداني كل مشاعر الفرحة التي عايشتها في تلك اللحظة الفارقة من التاريخ التي عبر فيها جنودنا قناة السويس وقاموا بتحطيم خط بارليف، ورفع علم مصر فوق أرض سيناء الغالية التي ظلت مغتصبة ل 6 سنوات بعد نكسه 67 المريرة.

والحقيقة أنه عندما نبدأ في سرد أحداث هذه الحرب، يجب ألا ننسى البدايات…

ففي اليوم الأسود علي تاريخ مصر يوم 5 يونيو 1967، كنت ضابط صغير برتبة صغير برتبة ملازم أول، عائدا لتوه من حرب اليمن، لأجد نفسي وسط الالاف من زملائي علي خط الحدود مع إسرائيل في منطقة الكونتلا، نهرب من نيران العدو التي تلاحقنا من كل مكان، بعد أن جاءتنا تعليمات بالانسحاب من حرب لم نحصل فيه علي فرصة حقيقة لمواجهة العدو , حتى وصلت إلى غرب قناة السويس، عبر ممر مثلا في الساعة الخامسة يوم 9 يونيو جاء إعلان عبد الناصر التنحي وأمامنا العلم الإسرائيلي يرفرف على الضفة الشرقية للقناة.

لأعيش بعد ذلك مرارة الهزيمة، والانكسار، وألم التهجير الذي عانت منه أسرتي التي تعيش في موطن رأسي ببورسعيد وأن أتذكر والدي الذى اضطرني لأخذ أجازه لمدة يوم واحد لإقناعه بأن يغادر بورسعيد، بعد أن يأس أخوتي في اقناعه.

ووجدت نفسي استرجع ذكريات ” حرب الاستنزاف “، التي دامت لـ 6 سنوات، حارب فيها الجيش المصري بطولات، لازالت محفوظة في التاريخ، كمعركة رأس العش، وعملية إغراق المدمرة إيلات، التي غيرت من مفاهيم العلوم العسكرية البحرية في العالم.

وفي السنوات الست وأنا أتدرج في رتبتي العسكرية من ملازم أول حتي وصلت إلي رتبة النقيب، كنت شاهدا من موقعي على الشاطئ الغربي للقناة، علي عملية بناء العدو الإسرائيلي لـ ” خط بارليف “، وأري جنود العدو، وهم يسيروا بها مختالين بأنفسهم، سعيدين بنصر في معركة لم يواجهوا فيها شرف القتال، وأسال نفسي كل يوم متي نعبر القناة ومتي تعود أرض سيناء الحبيبة الى حضن امها مصر.

وخلال هذه السنوات تعلمنا الكثير من فنون الحرب، حيث هناك مقولة أن الحرب تعلم الحرب، حيث تدربنا على الأسلحة الجديدة التي وصلت من الاتحاد السوفيتي، وبدأنا في التدريب على العبور الموانع المائية في بحيرة قارون، وعلى أفرع نيل مصر العظيم.

واليوم أحمد الله أنه قد أعطاني العمر، ليس فقط لأشهد اليوم التي تعود فيه سيناء الحبيبة إلي مصر، ولكنه قد منحني الفرصة لأكون شاهدا علي تفاصيل حرب أكتوبر 1973 منذ أن كانت خطة تحمل اسم التوجيه 41.

فعندما كنت طالبا في كلية القادة والأركان ، شاء لي القدر أن أكون كنت ضمن فريق الدارسين الذي عهد إليه مناقشة التوجيه 41، بقيادة الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة، ذلك التوجيه الذي لم يكن لدينا أي فكرة إنه لعبور قناة السويس واقتحام خط بارليف خطة حرب أكتوبر 1973.

ثم جاءت مفاجأة القدر السعيدة لي الثانية، ليتم اختياري لأكون أصغر ضابط في غرفة عمليات حرب أكتوبر 73، العمليات المركزية لقيادة حرب أكتوبر 1973، بجوار كبار قادة معركة النصر بداية من الرئيس محمد أنور السادات، وقادة الأسلحة والقوات، وأوثق معركة النصر لحظه بلحظه.

وعشت داخل غرفة العمليات لحظات النصر، بدءا من نجاح الضربة الجوية، ثم اقتحام الجنود المصريين القناة في القوارب المطاطية 12 موجة وسقوط نقاط خط بارليف، ورفع العلم المصري عليها، وقيام قواتنا بصدر احتياطيات العدو المدرعة التي تحاول تدميرها بعد عبورها القناة، ثم جاء الليل لتبدأ الكباري في العبور. وجاءت الدبابات والمدفعية خلال ثلاثة أيام، أصبح لدينا. 200 ألف مقاتل على الضفة الشرقية لأرض سيناء الغالية.

وجاء سفري إلى كلية كمبرلي الملكية لأركان الحرب بإنجلترا بعد حرب أكتوبر مباشرة، وهناك وجدت نفسي في كل محاضرة عن الهجوم، أو الدفاع، أو القتال التصادمي ، إلى آخره… أن أسمع المدرس ينادي قائلًا:

“الرائد سمير من مصر، تفضل واشرح لنا كيف حقق المصريون مبادئ الحرب خلال حرب أكتوبر؟”

فقد كان الجميع يدرك أن المصريين قد حققوا معجزة في تطبيق مبادئ الحرب، وذلك من خلال عبورهم قناة السويس واقتحام خط بارليف، أكبر مانع دفاعي في التاريخ العسكري الحديث.

وقد شاء الله لي ألا تتوقف معاركي بعد انتصار أكتوبر المجيد، لأجد نفسي في أحد أيام عام ، وأنا جالساً في مقر قناة BBC البريطانية، بلندن أواجه القائد الإسرائيلي الجنرال شارون، في مناظرة تم نقلها علي الهواء مباشرة ، كانت لجنة التحكيم بها كبار الخبراء العسريين بواحد من أهم مراكز الدراسات الاستراتيجية في العالم لأمثل الجيش المصري، وأروي شاهدتي للعالم كله كيف صنعت مصر معجزة أكتوبر 73.

وهكذا كانت حرب أكتوبر 1973 علامة فارقة في تاريخ العسكرية المصرية، حيث حقق الجيش المصري أعظم انتصاراته، واستعاد لمصر أرضها الغالية.

Email: [email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com
Verified by MonsterInsights