” أ. د سامح سليمان” يكتب: 2022 آمال وتحديات
الاقتصاد هو عصب الحياة والنجاح الاقتصادي لا شك يتبعه نجاح علي المستوي الاجتماعي والمعيشي لكافة أفراد المجتمع، ولقد واصل الاقتصاد المصري تحقيق معدلات نمو إيجابي ومتزايد خلال الربع الثالث من العام الجاري 2020-2021، على الرغم من جائحة كورونا لببلغ نحو2.9% ليسجل متوسط معدل النمو خلال التسعة شهور الأولى من العام نحو 1.9%، مقارنة بـ 5.4% في التسعة شهور لعام 2019-2020، نتيجة التوسع في الاستثمارات التنموية التي تعكس نجاح مصر في تحقيق التوازن بين الحفاظ على صحة المواطنين ودوران عجلة الاقتصاد المصرى.
أداء الاقتصاد ِالاستثنائي
حيث ارتفعت تحويلات المصريين العاملين بالخارج بنسبة 10% على أساس سنوي خلال أول 5 أشهر من 2021، حسب بيانات وزارة التخطيط، فلقد تلقت مصر تحويلات قدرها 15.5 مليار دولار منذ يناير، بزيادة قدرها 10% عند المقارنة بالفترة بين يناير/ يوليو 2020. كما أن تدفقات العملة الصعبة ظلت ثابتة في مواجهة الوباء، إذ ارتفعت بنسبة 10.5% خلال عام 2020 محققة 29.6 مليار دولار، على الرغم من تراجعها بنسبة 1.6% في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، باستثناء الصين، خلال العام الذي شهد تفشي جائحة كورونا.
وفي الوقت نفسه ربما يكون صافي الاستثمار الأجنبي المباشر قد حقق بالفعل المستهدفات الحكومية، إذ يواصل التعافي من المستويات المتدنية التي وصل إليها بسبب الوباء. فقد انخفض صافي الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 4.8 مليار دولار أمريكي في السنة المالية 2021 ، من 7.1 مليار دولار أمريكي في السنة المالية 2020.
وبلغت التدفقات الأجنبية 3.4 مليار دولار حتى الآن في عام 2021، ارتفاعا من 2.5 مليار دولار في النصف الأول من 2020. وتوضح بيانات أداء ميزان المدفوعات الصادرة عن البنك المركزي المصري في أبريل الماضي أن مصر حققت فائضا بلغ 6.8 مليار دولار بنهاية يونيو الماضي، وهو رقم قريب من الذي حققته البلاد في العام المالي السابق للجائحة 2020/2019، والبالغ 7.5 مليار دولار. ومن المتوقع أن ينمو صافي الاستثمار الأجنبي المباشر بعد ذلك إلى 7 مليارات دولار في العام المالي 2022/2021.
كما بلغت الإيرادات التي حققتها الحكومة من رسوم عبور قناة السويس، وهي أحد مصادر العملة الصعبة التي تضررت بشدة منذ الوباء، 553.6 مليون دولار في أبريل. وبحسب بيانات وزارة التخطيط فإن هذا يعد الرقم الأعلى في تاريخ القناة، ويمثل ارتفاعا قدره 16.3% عن أبريل 2020. ووفقا لأداء ميزان المدفوعات، كانت إيرادات قناة السويس أقل جزئيا من مستويات ما قبل الوباء خلال الربع الثاني من السنة المالية 2021/2020، والتي امتدت بين أكتوبر 2020 ويناير2021.
عنق الزجاجة
كانت المراجعة النهائية التي أجراها صندوق النقد الدولي لإصلاحات مصر منتصف عام 2019 والتي شكّلت الأساس للموافقة على الصرف النهائي للقسط الأخير من القرض البالغ 12 مليار دولار الذي قدمه صندوق النقد الدولي في العام 2016، كانت متحفظة، فالاقتصاد المصري يعتمد بشكل كبير على القطاع العام، الذي أثبت عدم قدرته على تحقيق النمو طويل الأجل والذي يعتبر ضروريًا لانتشال ملايين المصريين من براثن الفقر. وقد ساعدت الإصلاحات في تخفيض حدّة الإختلالات والتشوهات على صعيد الاقتصاد الكلي وفي استقرار الأوضاع المالية. وفشل البرنامج في تحقيق الهدف الأساسي والأهم الذي أكّد عليه كل من مصر وصندوق النقد الدولي منذ البداية، وهو وقف اعتماد الاقتصاد المصري على القطاع العام، بل تحويله إلى اقتصاد تحركه قوى السوق ويقوده القطاع الخاص.
بالرغم من تنفيذ مصر إصلاحات عديدة استحال على الحكومات المصرية السابقة إنجازها، من بينها تحرير سعر الصرف، وخفض الدعم على الوقود والغذاء، وتنفيذ تدابير تقشّفية كثيرة، ورفع أسعار الفائدة لتعويض الأثر التضخمي لتخفيض قيمة العملة. كما كانت هناك بداية مشجعة لإصلاح بيئة الأعمال بتحديث بعض القوانين والقواعد التنظيمية، وبالرغم من هذا التقدم الذي حققته مصر في هذه الفترة إلا أنه تلاحظ تراجع الاقتصاد المصري عند مقارنته باقتصاد نظرائه في الدول الناشئة. وقد ساعد قرض الصندوق مصر كثيرا في رفع مستوي الثقة في التعامل مع الحكومة المصرية، ولذا فقد لجأ مستثمري الأسواق الناشئة، الذين يعانون من أسعار الفائدة المنخفضة أو السلبية، إلى شراء سندات الخزانة المصرية التي اقترنت بأسعار فوائد تفوق الـ 10% يصحبها الحد الأدنى من مخاطر سعر الصرف، وعلى عروض سندات الدين بالعملة الأجنبية التي أصدرتها مصر بمعدلات متوسطة نسبيًا. ولهذا، أصبحت البلاد خلال هذه الفترة إحدى أكثر الوجهات المقصودة لتدفقات رأس المال قصيرة الأجل في الأسواق الدولية. وقد ساعدت عودة الاستقرار والأمن والآمان في مصر، في إنعاش القطاع السياحية إلى حدٍ ما وكذلك في تحفيز نشاط القطاع الخاص المرتبط بمشاريع البنية التحتية الحكومية. كذلك، تعافى النمو الاقتصادي إلى معدّلٍ يزيد عن 5% وتحسنت آفاق العمالة، وانخفضت نسبة البطالة إلى أقل من 8%. وحين شارف البرنامج على نهايته مع آخر أقساط القرض، كان العجز المالي قد تقلّص، وانخفض التضخم بشكل كبير عن المعدّل الذي بلغه بعد تخفيض قيمة العملة.، ولهاذا كانت مصر حريصة على الحصول على القرض ومعه شهادة تعافي الاقتصاد المصري.
نقاط ضعف الاقتصاد المصري
لم تسع مصر إلى تطوير صناعات جديدة واعتماد تكنولوجيا حديثة وتوسيع تجارتها في الأسواق العالمية. بل أبقت مصر جزءًا كبيرًا من اقتصادها مغلقًا نسبيًا، ويُعزى ذلك جزئيًا إلى مقاومة القطاع العام الإصلاحات التي ترتكز على قوى السوق، وسعى إلى الحفاظ على امتيازاته. وهكذا، خلال العقود الدينامية للعولمة وللتجارة العالمية 1980 – 2010، اختارت مصر الاعتماد على الريع الاقتصادي الذي يمكن أن تحصل عليه من مزايا خاصة مثل الموارد الهيدروكربونية، والإرث الفريد من المواقع السياحية، وتحويلات العاملين من دول الخليج، والتجارة عبر قناة السويس، والتحويلات الرسمية التي غالبًا ما تُمنح كمكافأة لاعتبارات جيوسياسية، مثل الحفاظ على السلام مع الجيران والانضمام إلى التحالفات العالمية لترسيخ السلام في المنطقة.
أن عجز الموازنة في حد ذاته لا يمثل مشكلة وإنما المشكلة في الفترة الزمنية التي يستمر فيها هذا العجز من ناحية، وكيف تنفق الدولة الأموال التي سببت عجز الموازنة من ناحية أخري. فالحكومة تقترض من المستقبل إذا صح التعبير، وبالتالي عليها أن تضع ذلك في اعتبارها عندما تنفق هذه الأموال، فإذا كان الإنفاق في مجالات انتاجية أو خدمية يحقق عائداً مستقبليا، يكون عجز الموازنة في هذه الحالة إيجابيا من زاوية إمكانية امتصاصه لحالة الركود دون أعباء حقيقية علي الموازنة علي المدي الطويل، أما إذا كان هذا الإنفاق في مجالات استهلاكية فهنا تكون المشكلة حيث يترتب علي ذلك جميع المشكلات المرتبطة بعجز الموازنة علي المدي الطويل مثل ارتفاع نسبة التضخم واستمرار الآثار السلبية للعجز وارتفاع أسعار الفائدة.
التأثير على الأداء الاقتصادي
وببحث هذه الآثار السلبية ونقاط ضعف الاقتصاد المصري، نجد أنها تحميه من كثير من سلبيات الاقتصاد العالمي بسبب ضعف ارتباط اقتصاد مصر باقتصاد العالم وبالتالي محدودية تأثره بالتغيرات الاقتصادية الخارجية علي المدي القصير، أما إذا استمر الركود العالمي بسبب انخفاض الاستهلاك فقد يكون لذلك آثار ضارة علي الاقتصاد المصري علي المدي الطويل خاصة في أوروبا حيث أن ارتباط الاقتصاد المصري بالاقتصاديات الاوروبية أكبر كثيراً من ارتباطه بالاقتصاد الأمريكي، وقد تلجأ الدول الأوروبية بسبب استمرار الركود إلي وضع عقبات شتي علي الصادرات المصرية حماية لمنتجاتها وعلى سفر وسياحة مواطنيها إلى مصر، كما أن المعونات الأمريكية قد تنخفض هي الأخري، مما يمثل عبئاً جديداً علي الاقتصاد المصري.
أما عن مشكلات الاقتصاد المصري المزمنة والتي تعتبر مشكلات مركبة من ارتفاع عجز الموازنة المستمر، بالإضافة إلي ارتفاع الدين المحلي المتزايد، علاوة علي ديون متراكمة للهيئات الاقتصادية، كل هذا إلي جانب تثبيت سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبية وتزايد العجز في الميزان التجاري المستمر.
تحسن التصنيف الائتماني لمصر
العوامل التي يمكن أن تؤدي، بشكل فردي أو جماعي، إلى تقييم إيجابي للتصنيف الائتماني منها الحد من التمويلات الخارجية، بتقليل الاعتماد على تدفقات حافظة الأوراق المالية غير المقيمة بمصر، وتضييق عجز الحساب الجاري، والتقدم المستمر في ضبط أوضاع المالية العامة مما يؤدى إلى مزيد من التخفيض الكبير في إجمالي الدين الحكومي العام وزيادة نسبة الناتج المحلي الإجماي، وتحسين معايير الحوكمة وبيئة الأعمال ودخل الفرد، إلى مستويات أقرب إلى التصنيفات السيادية لدول الناشئة. وفر إدراج مصر في مؤشر سندات “JP Morgan GBI-EM” اعتبارًا من يناير 2022 بعض الدعم الهيكلي لطلب المستثمرين غير المقيمين، كما هو الحال بالنسبة لتسوية السندات المصرية من قبل “Euroclear Bank” ، المتوقعة في وقت لاحق في عام 2022.
مستوى آمن للديون الخارجية
كشفت وكالة “فيتش” العالمية عن تسجيل صافي الدين الخارجي لمصر عند مستوى 17٪ من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2021، بما في ذلك حيازات غير المقيمين من الديون بالعملة المحلية، وهو معدل أصغر بكثير من متوسطات الدول ذات التصنيف الائتماني المماثل لمصر.
انخفاض الدين الحكومي
توقعت “فيتش” استئناف المسار الهبوطي للدين الحكومي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنة المالية 2022، وذلك عقب توقفه العامين الماضيين بسبب فيروس كورونا، لافتة إلى أن المالية العامة لاتزال تمثل ضعفًا أساسيًا في التصنيف الائتماني لمصر .ومن المتوقع أن يؤدي النمو الأسرع والفوائض الأولية المستمرة لخفض النسبة في السنة المالية 2022. أوضحت “فيتش” أن مقاييس الديون أعلى بكثير من المتوسطات في الدول التي تحمل تصنيف “B” مثل مصرن ومع ذلك، فإن أكثر من نصف الدين الخارجي للحكومة مستحق لمؤسسات متعددة الأطراف، تتمتع مصر بعلاقات جيدة معها، والقطاع المصرفي المحلي الضخم مستثمر أسير في الديون بالعملة المحلية.
الخدمات اللوجستية النظرة المستقبلية للملف اللوجستي في مصر إيجابية على المدى الطويل، بدعم جهود الحكومة في برنامج الإصلاح الاقتصادي، والتي ساعدت في جذب الاستثمارات التي تشتد الحاجة إليها لتنفيذ التحسينات المطلوبة. وهناك عوامل إيجابية مرتبطة بالقطاع، من بينها إجراءات التجارة والحوكمة والتي حصلت مصر فيها على 42.5 درجة من إجمالي 100، طبقا لتقديرات “فيتش” العالمية. وستواصل الشركات العاملة في مصر الاستفادة من الموقع الجغرافي للبلاد، والاتصالات الجوية والبحرية القوية، وظهور التحول الرقمي في التجارة، إلا أنه في المقابل ستظل تكلفة عمليات التجارة تمثل تحديًا كبيرًا، خاصة بالنسبة للشركات التي تعتمد على الاستيراد. وعلى صعيد شبكة النقل التي كان نصيب مصر فيها 66.6 درجة من إجمالي 100 درجة، قالت “فيتش” إن الشركات العاملة في مصر تعتمد بشكل كبير على شبكة طرق غالبًا ما تكون مزدحمة. وقدرت فيتش أن التحسينات المستمرة لشبكات الطرق فى مصر، والتي تعد لبنية تحتية أفضل للطرق على المدى الطويل. وذكرت المؤسسة أن مصر حصلت على 70.4 من 100 درجة في شبكة المرافق، مشيرة إلى أن الشركات العاملة في مصر ستواجه ارتفاعًا في تكاليف المرافق على المدى القريب بسبب انخفاض دعم الكهرباء والوقود حيث تنفذ الدولة إصلاحات هيكلية حاسمة وهياكل تعريفات عاكسة للتكلفة لتحسين استدامة إمدادات الكهرباء على المدى الطويل. وتطرقت المؤسسة إلى مجموعة من نقاط القوة للقطاع والتي شملت توقعات بالانتعاش على المدى المتوسط، رهنا باستقرار البيئة السياسية، إضافة إلى أن موانئ البلاد تعد نقاط اتصال مباشرة لشركات الشحن الدولية، واتساع قاعدة المستهلكين في البلاد بدعم التعداد السكاني الكبير. وعلى صعيد الفرص التي يمتع بها القطاع، قالت إنه من المحتمل أن يكون هناك استثمار كبير في شبكة المرافق، إضافة إلى أن الإصلاح التدريجي للدعم سوف يخفف ببطء من ارتفاع الطلب على الوقود ويقلل من مخاطر العجز، كما سيؤدى توسيع مرافق الشحن الجوي إلى تحسين حجم التجارة وتعزيز مكانة مصر كمركز إقليمي مهم للتجارة الجوية.
قطاع الطاقة
كما تتوقع “فيتش” نموا مستمرا في قطاع الطاقة خلال العقد المقبل، مع بدء التشغيل التجاري للعديد من محطات الطاقة الشمسية، والرياح، والطاقة الحرارية، لافتة إلى أن الفائض الكبير في إمدادات الطاقة الكهربائية سوف يعيق النمو على المدى المتوسط، ويلقى بظلاله على الاستثمارات الجديدة. وتشير إلى أن الاستثمار في البنية التحتية الجديدة لتصدير الكهرباء، والتوسع في القطاع الصناعي سوف يعزز الطلب على المديين المتوسط والطويل، مما يؤدى إلى خفض الفائض، ويجدد الاستثمار في قطاع الطاقة خلال الفترة المتبقية حتى 2030.
مصر الأكبر عربياً في 2021
إحلت مصر في المركز الثالث في قائمة أكبر الاقتصادات العربية بعد السعودية والإمارات وفقا لتقديرات مجلة فوربس الشرق الأوسط. وجاءت مصر في المرتبة الثالثة عربيا في عام 2021، مع توقعات وصول ناتجها المحلي الإجمالي إلى 394.3 مليار دولار مقابل 361.8 مليار دولار في 2020. لكن كيف احتلت مصر هذا الترتيب وسط تداعيات أزمة الجائحة التي أثرت على اقتصادات دول العالم والمنطقة بشكل أكبر.
حيث دخلت مصر أزمة كوفيد-19 وهي تتمتع بوضع اقتصادي جيد بفضل الإصلاحات التي نفذتها منذ عام 2016، واستطاعت الوصول إلى التوازن بين الإنفاق المستهدف لحماية المصروفات في القطاع الصحي والاجتماعي وبين تحقيق الاستدامة المالية مع إعادة بناء الاحتياطيات الدولية. ومن المتوقع أن يصل نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 2.8% في السنة المالية 2020/2021 على أن يحقق تعافيا وينمو 5.2% في السنة المالية 2021/2022. وكانت الحكومة المصرية قد أعلنت عن تخصيص 6.13 مليار دولار (حوالي 100 مليار جنيه) أو 1.8% من الناتج المحلي الإجمالي للتخفيف من الآثار الاقتصادية الناجمة عن كوفيد-19، كما تمت زيادة المعاشات بنسبة 14%، وتم التوسع في برامج التحويلات النقدية الاجتماعية المستهدفة، ودشنت الحكومة مبادرة لدعم العمالة غير المنتظمة في القطاعات الأكثر تضرراً وتشمل 1.6 مليون مستفيد. وبسبب ارتفاع عدد السكان فإن مصر تأتي في المرتبة التاسعة من حيث قيمة نصيب الفرد من الناتج عربيا بعد كل من قطر والإمارات والكويت والبحرين والسعودية وعمان والعراق والأردن على الترتيب، وفقا لتقديرات فوربس.
شهادات دولية
أثمرت الإنجازات التي حققتها مصر على الصعيد الاقتصادي، في نيل شهادات ثقة من المؤسسات الاستثمارية والمالية العالمية، إذ أعلنت “سيلين آلار” رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي إلى مصر، أن الصندوق يتوقع معدل نمو في مصر يبلغ 2.8% للعالم المالي 2020/2021. وأضافت “نرى أن التعافي قد بدأ مع توقعات بنهوض أقوى في العام المالي المقبل ويصل بالنمو الاقتصادي إلى 5.2%. كما توقع تقرير “آفاق الاقتصاد الأفريقي” استعادة مصر خلال 2022 معدلات النمو ما قبل وباء كورونا لتسجل 4.9. ودعمت وكالة التصنيف الائتماني رؤيتها للاقتصاد المصري، إذ رجحت وكالة فيتش نمو الاقتصاد المصري بنحو 6% خلال العام المالي المقبل. وأكدت الوكالة تصنيفها الائتمان لمصر عند “+B” مع نظرة مستقبلية مستقرة. كما ثبتت وكالة “كابيتال إنتليجنس” مؤخرًا على التصنيف الائتماني لمصر عند مستوى “+B” مع نظرة مستقبلية مستقرة. وقالت وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية، إن تصنيف مصر الائتماني عند “B2” مع نظرة مستقبلية مستقرة، يعكس الاقتصاد الكبير والمتنوع، وقاعدة التمويل المحلية الكبيرة، واحتياطيات النقد الأجنبي التي تكفي لتغطية الالتزامات الخارجية المستحقة على مدى السنوات الثلاث المقبلة.
كما وضعت مؤسسة مورجان ستانلي للخدمات المالية والاستثمارية والمصرفية في تقريرها الأخير الصادر خلال فبراير الماضي، الديون المصرية ضمن فئة التصنيف الائتماني الأفضل للدول النامية المدينة، وذلك وفقًا للنتائج الإيجابية لمعايير قياس مستوى المخاطر في سداد الديون، وهو ما يبرز قدرة الدولة على التحكم في ديونها ونفاذها إلى أسواق الدين، وحجم تدفقات التمويل التي ترد إليها من الخارج.
وأكدت وكالة بلومبرج قدرة الديون المصرية على الصمود أمام تشديد الفيدرالي للسياسة النقدية، فمن شأن تشديد السياسة النقدية الأمريكية أن يجعل الأسواق الناشئة عرضة الانخفاض في التدفقات الأجنبية، إذ يسعى مديرو الأصول الذين يتجنبون المخاطر المرتفعة إلى تحقيق عوائد أكثر أمانا في الولايات المتحدة، ومع ذلك، فإن الاحتياطيات الأجنبية القوية في مصر، واقتصادها سريع النمو، وأسعار الفائدة الحقيقية المرتفعة لديها، والتحول إلى الديون طويلة الأجل في السنوات الأخيرة، يعني أنها الأفضل بين الأسواق الناشئة لمواجهة العاصفة. وأضافت أن مصر تتمتع بواحد من أعلى أسعار الفائدة الحقيقية في العالم، مما أدى إلى ازدهار حيازات الأجانب للديون المصرية الخطرة عالية الربحية، كما ان السوق المصرية في وضع يجعلها قادرة على تجنب الموجة البيعية بالأسواق الناشئة، فمن الناحية التاريخية، لم يكن لتحركات أسعار الفائدة العالمية تأثير كبير على السوق المحلية.
توقعات البنك الأوروبي في 2022
يتوقع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية أن يعود الاقتصاد المصري لمستوى نمو ما قبل “كوفيد-19” خلال العام المقبل. ورجح البنك في أحدث إصدار من تقرير الآفاق الاقتصادية الإقليمية أن يبلغ النمو 4.2% العام الجاري قبل أن يصل إلى مستوى ما قبل الجائحة خلال 2022 ليبلغ 5.2%.. ومن المتوقع أن يصل النمو إلى 5.2% العام المقبل، وهو ما يقترب من مستوى النمو الذي حققه الاقتصاد العام الماضي الذي شهد بداية تفشي الجائحة. وتعد مصر بين الاقتصادات القليلة التي حققت نموا إيجابيا خلال 2020، بحسب التقرير. ويرجح البنك أن يصل النمو الاقتصادي إلى 4.5% في العام المالي 2022/2021. وتعد توقعات البنك لعام 2021 أعلى من توقعات البنك الدولي الأخيرة.
توقعات دويتشه بنك
توقع دويتشه بنك، في تقرير له، استمرار النمو القوي للاقتصاد المصري بنسبة 5.5% خلال العام المالي الحالي 2021/2022، بدعم من تعافي الطلب وقطاعات التصنيع والزراعة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في إطار المرحلة الثانية من برنامج الإصلاح الاقتصادي، بالإضافة إلى الارتفاع المتوقع لإيرادات السياحة مع إزالة قيود السفر العالمية. وذكر دويتشه بنك، أن الجهود الجارية للتوحيد المالي وتحقيق فائض أولي بمقدار 2% من الناتج المحلي الإجمالي وخفض العجز الكلي إلى 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية العام المالي 2024، مع الحفاظ على التضخم ضمن نطاق مستهدفات البنك المركزي، كل ذلك سيساهم في دعم تعافي الاقتصاد المحلي. وأشار إلى أن الدعم المالي المستمر لصندوق النقد الدولي والمشروط باستمرار التوحيد المالي والسياسات الاقتصادية سيعطي أيضًا دفعة مطلوبة للاقتصاد، وأن ما أقره صندوق النقد الدولي مؤخرًا بتخصيص وحدات سحب خاصة بقيمة 2.9 مليار دولار ستفيد هذا النمو أيضاً. كما أوضح أن قوة التعافي في النمو تظل محل عدم يقين نتيجة المخاطر المرتبطة بالجائحة، مثل احتمالية تحور سلالات جديدة وتفشيها وسط كثافة سكانية معظمها غير مُلقح. وفي ظل احتياجات التمويل الخارجي وارتفاع نسب الدين العام إلى 88% من الناتج المحلي بنهاية العام المالي 2020، فإن هذه العوامل مُجتمعة قد تؤثر سلباً في سيناريو التعافي، كما أن النمو الذي يقوده القطاع الخاص لايزال محدود ويواجه تحديات تخص بيئة العمل والشفافية التي ماتزال أقل من الأقران. وبصفة عامة، من المتوقع في السيناريو الأساسي المطروح من البنك أن يظل التضخم السنوي أقل بكثير من النقطة المستهدفة له والبالغة 7% بنهاية العام، لكن ضغوط الأسعار ستبدأ في التزايد تدريجياً لترفع فرص الوصول به إلى نحو 7% خلال النصف الثاني من 2022. وفيما يتعلق بالسياسات النقدية والائتمانية؛ توقع دويتشه بنك، أن يحافظ البنك المركزي على معدلات العائد لديه رغم اتجاه السياسة النقدية عالمياً نحو التشديد، وبرر ذلك بوجود احتياطيات قوية، وتقديم معدلات فائدة حقيقية مرتفعة، فرغم الارتفاع المؤقت في التضخم، مازالت الضغوط التضخمية خاملة وتترك معدلات نمو الأسعار أقل بكثير من 7%، لذلك لا حاجة لرفع الفائدة. مما يعني أن سياسة البنك المركزي تتحول ببطء نحو الحذر، ومع الأخذ في الاعتبار التطورات الخارجية، في ظل أن معظم الدول الناشئة بدأت فعلياً بسياسات التشديد النقدي ومن المرجح بشدة أن ترفع أسعار الفائدة لديها خلال الشهور المقبلة، نفترض أن أي خفض محتمل لأسعار الفائدة في مصر لم يعد خيارًا، لذلك فالتثبيت حتى النصف الثاني من 2022 هو السيناريو الأقرب. وذكر البنك الألماني، أنه مع الأخذ في الاعتبار الارتفاع في أسعار البترول ومع وصول أسعار السلع والغذاء لأعلى مستوياتها في سنوات، فهناك في الواقع مجال للتشديد النقدي في مصر خلال النصف الثاني من 2022 حينما يصل التضخم إلى 7% بناء على ضغوط تضخمية مستدامة، لذلك رجح البنك رفع الفائدة في مصر بنسبة 25 نقطة أساس خلال الربع الأخير من العام المقبل، بل أن المعدل قد يكون أكبر في حال جاء التضخم أكبر من التقديرات. وذكر البنك، أن الحكومة تستهدف عجز مالي يعادل 6.7% من الناتج المحلي الإجمالي في ميزانيتها للسنة المالية القادمة وذلك بناء على توقع متحفظ بتحقيق نمو 5.4% للناتج المحلي الإجمالي، وعند النظر عن قرب للموازنة، نجد أن الإنفاق على الصحة يصل إلى 108.8 مليار جنيه بزيادة قدرها 16% على أساس سنوي، والتعليم 172.6 مليار جنيه بزيادة قدرها 10%. وفي الوقت نفسه، من المتوقع تراجع نسبة الدين العام إلى 89.5% من قيمة الناتج المحلي مقابل 90.6% بنهاية يونيو 2021، حيث أن مدفوعات تسديد الدين العام هي أكبر بنود الإنفاق عند 579 مليار جنيه. وقال دويتشه بنك، إن المخاطر التي تواجه الحساب الجاري لمصر مازالت متباينة، فمن جهة، من المتوقع أن يؤدي الانتعاش المحلي القوي في المستقبل إلى تعزيز الواردات وتقليل الحساب الجاري، في حين أن الانتعاش المتوقع في عائدات السياحة وزيادة التحويلات من الخارج، خاصة من دول مجلس التعاون الخليجي في المستقبل ستعمل في الاتجاه المعاكس.
توقعات صندوق النقد الدولي في 2022
توقع صندوق النقد الدولي أن يحقق الاقتصاد المصري “تعافيا قويا” خلال العام المالي 2022/2021، ليصل نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 5.2%، وفق ما ذكره الصندوق في بيان أصدره منتصف شهر يوليو2021 الجاري. وأشاد الصندوق بالسياسات التي تبنتها مصر خلال الجائحة، وذكر البيان: “كانت مصر من بلدان الاقتصادات الصاعدة القليلة التي حققت معدل نمو موجب في 2020. وبفضل استجابة الحكومة السريعة والحذرة على مستوى السياسات، مقترنة بالدعم من صندوق النقد الدولي، أبدى الاقتصاد المصري صلابة في مواجهة الجائحة”. وذكرت المؤسسة الدولية في بيانها أنه “على مدى 12 شهرا الماضية، كان التزام السلطات باتباع سياسات حذرة وقوة أدائها في ظل برنامجها مع الصندوق قد ساعدا على تخفيف وطأة الأثر الصحي والاجتماعي للجائحة مع ضمان الاستقرار الاقتصادي، واستمرارية القدرة على تحمل الدين، والحفاظ على ثقة المستثمرين”.
وأشار الصندوق إلى إطلاق البنك المركزي عدة مبادرات لتخفيف الضغوط على المقترضين وضمان توافر السيولة للقطاعات الأشد تأثرا، منها زيادة إمكانات الحصول على ائتمان بأسعار فائدة تفضيلية وتأجيل سداد الاستحقاقات الائتمانية القائمة لمدة 6 أشهر. ويرجح صندوق النقد الدولي أن يستمر ارتفاع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في مصر إلى 3.83 ألف دولار في العام المالي 2021 الذي انتهي في 30 يونيو الماضي، وهي زيادة بنسبة 6.8% مقابل 3.58 ألف دولار العام الماضي و3.01 ألف دولار في عام 2019. كما اتفقت مصر مع صندوق النقد الدولي على تمويلات إجمالية بنحو 8 مليارات دولار بالتزامن مع انتشار كوفيد-19 العام الماضي، موزعة بواقع 2.772 مليار دولار من خلال “أداة التمويل السريع” و5.2 مليار دولار عبر “اتفاق الاستعداد الائتماني”.
توقعات “فيتش” للنمو الاقتصادي في 2022
حافظت وكالة فيتش العالمية على التصنيف الائتماني لمصر عند مستوى “B+” بنظرة مستقرة للمستقبل، وأشارت وكالة “فيتش” إلى أن استمرار النمو الاقتصادي وحزمة الدعم المتواضعة لفيروس كورونا أدى إلى الحد من تأثير الوباء على المالية العامة لمصر. وتتوقع مؤسسة “فيتش” اتساعاً معتدلاً في نسبة العجز الحكومي العام من الناتج القومي المحلي إلى 7.5% في العام المالي المنتهي في يونيو 2021 مقارنة بـ 7% في العام المالي السابق، و7.9% في العام المالي الأسبق. وأن الاقتراض الحكومي وعودة مستثمري المحافظ غير المقيمين قد سمح للبنك المركزي والبنوك التجارية بإعادة بناء صافي مراكز الأصول الأجنبية جزئيًا، على الرغم من أن وضع البنوك التجارية قد شهد تدهورًا كبيرًا مرة أخرى في عام 2021. ويعزى الانخفاض في صافي الأصول الأجنبية للبنوك بسبب استخدامها لتمويل الحساب الجاري وتغطية الالتزامات الخارجية المستحقة، ودعم احتياطيات البنك المركزي المصري بشكل غير مباشر. كما توقعت الوكالة، انخفاضًا طفيفًا في عجز السنة المالية 2022، على خلفية إجراءات دعم الإيرادات، بما في ذلك قانون الجمارك، ومراجعات الرسوم المختلفة وتحديث النظام الضريبي، بما يتماشى مع هدف الحكومة لزيادة الإيرادات الضريبية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 2 نقطة مئوية على مدى السنوات الأربع المقبلة. فالسياسة المالية في مصر ترتكز على هدف فائض أولي قدره 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي على المدى المتوسط – بلغ متوسط الفائض الأولي 1.8٪ من الناتج المحلي الإجمالي في السنوات الثلاث الماضية.
يشكل جمود سعر الصرف مخاطر على استقرار الاقتصاد الكلي وأداء الحساب الجاري على المدى المتوسط ويزيد من خطر حدوث تعديل حاد آخر في سعر الصرف الرسمي في المستقبل ، مما قد يقوض استقرار الأسعار والثقة المحلية. ومع ذلك ، يؤكد البنك المركزي أنه ملتزم بمرونة سعر الصرف ، ويتدخل فقط للتخفيف من حركات السوق المضطربة. وأشارت “فيتش” إلى تعافي إجمالي الاحتياطيات الأجنبية الرسمية للبنك المركزي إلى 40 مليار دولار بحلول سبتمبر 2021، بعد أن انخفض إلى 35 مليار دولار في مايو من العام الماضي مع تدخل البنك المركزي لدعم سعر الصرف. تسديد مطلوبات البنك المركزي المصري من العملات الأجنبية متوسطة إلى طويلة الأجل والتي تم تجديدها مرارًا وتكرارًا، وما زال إجمالي احتياطيات البنك المركزي المصري مطمئن باعتباره المؤشر الأكثر صلة بالسيولة الخارجية.
التمويل الخارجي في مصر متاح على نطاق واسع، حيث أصدرت الحكومة حوالي 3 مليارات دولار أمريكي من السندات الخارجية حتى الآن في السنة المالية 2022 ، بعد حوالي 5 مليارات دولار أمريكي في كل من العامين الماليين 2020 و 2021. يوفر إدراج مصر في مؤشر سندات “JP Morgan GBI-EM” اعتبارًا من يناير 2022 بعض الدعم الهيكلي لطلب المستثمرين غير المقيمين، كما هو الحال بالنسبة لتسوية السندات المصرية من قبل “Euroclear Bank“، المتوقعة في وقت لاحق في عام 2022.
إلا أن وكالة فيتش تحذر من أن معدلات الفائدة الحقيقية المرتفعة في مصر يمكن ان تتآكل بسبب توقعات بارتفاع التضخم إلى متوسط 7٪ في السنة المالية الحالية 2022، والذي يفوق النطاق المستهدف للبنك المركزي المصري 4.8% للعام المالى 2021. أوضحت أن التضخم الأعلى والأكثر ثباتًا مما كان متوقعًا، والتحول في المعنويات نحو الأسواق الناشئة أو تشديد ظروف السيولة العالمية، قد يجبر البنك المركزي المصري على رفع سعر الفائدة مرة أخرى، بكل ما يعنيه ذلك من تأثيرات غير مباشرة على معدل النمو. وقد أبقى البنك المركزي المصري على سعر الإيداع الرئيسي دون تغيير عند 8.25٪ بعد التخفيضات التراكمية البالغة 400 نقطة أساس في عام 2020. وقد دعم ذلك نمو ائتمان القطاع الخاص بنحو 21% فى السنة المالية 2021 و20% فى العام 2020.
وأخيرا، تتوقع وكالة فيتش، زيادة معدل النمو الاقتصادي في مصر إلى 5.5% فى السنة المالية 2022 ،و 2023، مدعومة بالانتعاش الاقتصادي العالمي واستئناف السياحة، نتيجة انتهاء الحظر الذي دام ست سنوات على الرحلات الجوية الروسية إلى منتجعات البحر الأحمر وسيناء في مصر. مشيرة إلى أن النمو الاقتصادي في مصر حقق تفوقًا على الغالبية العظمى من الدول طوال وباء فيروس كورونا، بسبب الطلب المحلي المرن وإنتاج الغاز وبرنامج استثمار القطاع العام في مواجهة تراجع السياحة والقطاعات الموجهة للتصدير. فقد زاد إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 3.3٪ في السنة المالية 2021، بانخفاض من 3.6٪ في السنة المالية 2020 و 5.6٪ في السنة المالية 2019.
سامح سليمان توفيق
أستاذ بهيئة الطاقة الذرية