” مروة طلبة “تكتب: قصاقيص مصرية يونانية
البحر الأبيض المتوسط تتلاحق فيه الأمواج عبر العصور لترسم لنا قصاقيص بارزة نقشت في ملامح التاريخ المصرى .
القصقوصة الاولى :
غزا الأسكندر الأكبر مصر في أول فتوحاته فهام بها شغفا وأسس مدينة الأسكندرية ؛ ثم أعلن تتويجه فرعون مصر من واحة سيوة .
فى 323 قبل الميلاد جلس بطليموس الاول (سوتر) على عرش مصر خلفا للأسكندر وجعل عاصمته عروس المدن وأبهاها الاسكندرية مع حلول 285 قبل الميلاد أصبحت الاسكندرية مركز العالم اليونانى ومركز الفن والعلوم .
كانت منارة الإسكندرية واحدة من عجائب الدنيا ؛ كما أصبحت مكتبة الإسكندرية اكبر مكتبة فى العالم قبل أن يتم تدميرها .
ابدع العالم العظيم (اقليدس) أبو الهندسة على أرض الإسكندرية وخرج بكتابه العناصر وعكف على الدراسة تم تدريس كتابه لمدة 2000 عام فقد ترك للعالم من بعده أسس الهندسة والرياضيات . انتهى الحكم اليونانى لمصر بحكم أسطورة الملكات واكثرهن جاذبيه كيلوباترا .
القصقوصه الثانية : فى عهد محمد علي ازداد عدد اليونانيين في مصر حتى تصبح مصر وطنا ثانى لهم في عام 1856 كان مقر اليونانيين في القاهرة فى ثلاثة احياء تسونيا حارة الروم والحمزاوى وكان مقر البطريكية فى كادرائية القديس مرقس القبطية الارثوذكسية فى الأزبكية وأنشأت المستشفى اليونانى ومدرسة وسكن للمسنين والفقراء داخل دير القديس جورج .
.فى عهد الخديوى اسماعيل يصل عدد اليونانيين إلى نصف عدد سكان الاسكندرية ففى عام 1882 يصبح عددهم 37الف في كل أنحاء مصر .
عمل المهاجرون اليونان فى جميع الحرف فكان منهم الترزى ،التاجر ،النجار ، الجرسون،أصحاب البقالات ،أصحاب مصانع الزيوت والافران وأقاموا دور السينما فيما بعد .
القصقوصة الثالثة : ألمانيا تحتل اليونان فى الحرب العالمية الثانية فيصل عدد اليونانيين في مصر إلى 250000 يوناني وجاءت حكومة اليونان إلى مصر تحول مقر السفير اليونانى في مصر إلى دولة فقد قسم مقره إلى غرف وشملت كل غرفه وزارة من الوزارات .
الاسكندرية اتخذت لبعض أحيائها أسماء يونانية لدور اليونانيين الكبير في تشييدها على مر العصور مثل جليم، زيزينيا ،جناكليس .
اليونانيين الذين عاشوا فى محافظات القناة معظمهم كان يعمل مرشدا فى القناة .
القصقوصة الرابعة :عندما تم تأميم قناة السويس رفض المرشدين اليونانيين الاغراءات الأوروبية لهم ليغادروا إلى اليونان وقد عرضوا عليهم أن يحصلوا على معاش شهرى مدى الحياة وراتب 3 أشهر إذا انقطعوا عن العمل لكن اليونانيين لم يستجيبوا لهم وظلوا يعملون مع المصريين وتحملوا ساعات عمل اضافيه حتى لا تتعطل الملاحة فى القناة ، كما ظهر الترابط بين المصريين واليونانيين فى كفاحهم الشعبى ضد العدوان الثلاثي عام 1956للدفاع عن مدن القناة .
القصقوصة الخامسة : أهم من سطرهم التاريخ المصرى عاشوا فى مصر وأصبحوا عظماء وأعلام ونالوا شهرة عالمية .
(انطونيادس) جاء جون انطونيادس إلى ميناء الإسكندرية فقيرا فى أوساط القرن الماضى ظل يعمل حتى أصبح من أثرياء الاسكندرية ، اشترى قطعة أرض رخيصة ، وعهد بها إلى الفنان الفرنسي بول ريتشارد لينسقها ويخططها على غرار حديقة قصر فرساى فى باريس ونثر فى جوانبها اعمال كبار النحاتين للعديد من الشخصيات التاريخية وآلهة الرومان ، وبنى فيها منزلا صيفيا لتكتمل وحرص أن يكون هناك انسجام فى النقوش و الزخارف بين الحديقة والبيت ،أيضا من شدة عشقه للمدينة شق الترع والطرق فى الاسكندرية إرضاء لأهلها .
فى عام 1918 بعد وفاته تلقى الملك فؤاد رسالة رقيقة من انطونى اين جون انطونيادس يهب فيه القصر والحديقه لبلدية الاسكندرية على أن يظل إسم والده عليها ليخلد اسمه عبر التاريخ .
(سكلارديس ) من المعروف للعالم كله جودة ونعومة وتميز القطن المصرى بطول التيله لكن القليل من يعلم أن الفضل لتلك الجوده والتميز كان( لسكلارديس) اليونانى الأصل جاء مصر وهو فى الحادية عشر من عمره كانت أسرته تزرع القطن وتتاجر فيه فى عام 1904 من خلال ملاحظاته اكتشف احسن اللوزات التى تنتج اجود انواع القطن باحسن المواصفات ، كما إكتشف دودة القطن وكيفية التخلص منها بقطع الورقة المصابة بأكملها ، ومنح وسام الاستحقاق الزراعى فى1920 وسمي القطن بأسمه .
موستاكس (حلوانى ديلسيس ) فى عام 1907 كان خبازا ماهرا للخبز الافرنجى وهو من أدخل الآيس كريم لمدينة الاسكندرية وابتكر نكهات جديدة له مثل الفاكهة المستكة في عام 1922 أصبح أشهر حلوانى في الاسكندرية (ديلسيس) ومعناه منتهة والمتعة بالغه الفرنسية ، أدخل الشيكولاتة والملبس والكعكات الغربية ، ذاع صيته إلى أن وصل إلى البلاط الملكى صنع تورتة تتويج الملك فاروق ملكا على مصر عام 1937 وصنع تورتة زواج الملك فاروق من الملكة فريدة ، من أشهر رواده الأديب العالمى نجيب محفوظ ، توفيق الحكيم ، فريد شوقي ، عادل امام . ولا يزال ديلسيس محافظا على مكانته حتى الآن .
(قسطنطين كفافيس) أعظم شعراء اليونان نشأ في الاسكندرية نشر 154 قصيدة وترجمت أعماله لسبعين لغة ، جده أحد تجار الماس يونانى تميز شِعره بالتعبير عن الثلاثى المشترك للعالمين اليونان الكلاسيكية والشرق الأوسط القديم .
توفى عام 1933 .تحول بيته لمتحف وهو دور في بناية تقع خلف مسرح سيد درويش يحتوى منزله على مقتنياته الشخصية ومجلد ضخم يسمى دليل الاسكندرية وصور قديمة نادرة ولوحة زيتية للخديوى إسماعيل الذي كان صديق والده .
فى العصر الحديث كم لعبت الموسيقى التصويرية بمشاعرنا في الافلام الأبيض والأسود كان من أبدعها بعبقرية الموسيقار( اندريا رايدر) و من أهم أعماله موسيقى افلام دعاء الكروان ،نهر الحب ، الرجل الثانى ، بين الأطلال ومن أبرز تلاميذه الموسيقار منير مراد .
الفنان( حسين بيكار) ولد بحى الانفوشي ، كان فنانا تشكيليا وشاعر وعاشق للموسيقى .
وكذلك معجزة الشعر للشاعر الكبير أحمد شوقى ولد لاب شركسي وأم تركية يونانية فجدته كانت يونانية لقب بأمير الشعراء لتميزه في الشعر العربي .
من أبرز الأديبات لقصص الأطفال كانت الكاتبة ( بينلوبى دلتا )التى عاشت فى الاسكندرية فكانت ملهمتها واشتهرت برواياتها التاريخية في اليونان .
من الفنانات ذات الأصول اليونانية الراقصة (ماريا كاريدس) وأطلق عليها في السينما ناديه جمال ، الراقصة (كيتى ) كانت يهودية يونانية ، والفنانة الاستعراض نيللى مظلوم ،أما من عصرنا الحاضر الفناناتان( ميمى جمال )و(ليلى علوي) من أمين يونانيتين .
المغنى( ديميس روسوس) ولد في الاسكندرية عام 1946 وتربى ونشأ فيها .
القصقوصة الأخيرة: من الأكلات المصرية الشهيرة ذات الأصول اليونانى البابا غنوج ، المسقعه ، لقمة القاضى وهى تسمى باليونانى( لوكامديس) وإشتهر بصنعها محل يونانى صغير اسمه تورنازاكى فى شارع البوسطة في الاسكندرية .
وهنا إنتهت قصاقيصنا بعد جولة شيقة وممتعة مع رحل يونانية مصرية