فن الديكوباج ..

كتب – أحمد إبراهيم 

إخراج الفيلم وتحويل السيناريو المكتوب إلي صورة متحركة مرئية، أمراً إبداعياً يحتاج لموهبة ومقدرة فنية كبيرة ..

ولكي يحقق المخرج رؤيته وإحساسه وأفكاره ويترجمها لرؤية تعرض علي الشاشة للناس، فإن عليه أن يستخدم كل الأدوات المتاحة فنياً لتحقيق هذه الرؤية وهذا الهدف الفني والدرامي والفكري أثناء التصوير، بداية من استثمار القدرات والإمكانات التعبيرية لكل من .. الإضاءة – العدسات – أحجام اللقطات – أداء الممثل وحركته بالكادر – مكان وحركة الكامير – الإكسسوار – المؤثرات – الموسيقي التصويرية أو المصاحبة ..

ومن هنا تأتي أهمية إعداد وتصميم وهندسة الفيلم علي الورق قبل بدأ التصوير، وهي المرحلة والمعركة الأخيرة قبل الذهاب إلي الاستديو ومواقع التصوير، وهي محطة وملحمة الديكوباج ..

 الديكوباج

الديكوباج  Decoupage – Shotlist هو سيناريو إخراجى، مفصل بأدق التفاصيل، يكتب علي الورق كي يكون كل فريق عمل الفيلم جاهز للتصوير ..

.. يكتب المخرج الديكوباج حينما تكتمل وتختمر رؤيته للسيناريو ويقرر ويحدد الطريقة التي سيقدمه بها للجمهور علي الشاشة، وهذا بعد أن ينتهى من فهم وتفسير نص السيناريو ومشاهده، عن طريق تقطيع هذه المشاهد للقطات ممتابعة تحمل المعاني والأفكار والدلالات الدرامية التي تدور في عقله ويرغب في تصديرها للجمهور من خلال الشاشة …

معني ديكوباج

 وكلمة ديكوباج هي كلمة فرنسية الأصل، يمكن تبسيطها وتعريفها بفن استخدم الصور والقصاصات أو المعاجين والغراء لتكوين مجسم أو رسم أو مخطط ما لشيء يود القيام به كتزيين السطوح وتحديدها.

ويمكن تعريف الديكوباج سينمائياً أو تلفزيونياً بأنه .. ” تقطيع سيناريو الفيلم إلى لقطات محددة الأحجام والتفاصيل بها كل ما يتعلق بكل لقطة من حركة ووضع الكاميرا بالنسبة للشيء المصور وهي طريقة تعامل الكاميرا مع المكان والزمان، فالديكوباج هو عملية تجسيد فعلية للصورة المخرج من خلال تكنيك الكاميرا” .

فإن كان السيناريو هو شكل القصة أو الحدوته الدرامية في الشق الأول من هذا البناء الكتابي، يأتي بعدها الشكل أو الفورم الذي ستكون عليها صورة السيناريو علي الشاشة في الشق الثاني منه, ليأتي الديكوباج ليضطلع بمهمة الشق الثاني ألا وهو الشكل, لذلك توجد علاقة وثيقة بين السيناريو والديكوباج أشبه بعلاقة الكامل والمكمل ..

 وبعد أن يكتمل السيناريو النهائي الصالح للانتاج عملياً, تأتي مهمة مخرج الفيلم في صنع ووضع ديكوباج مستمد ومستنبط من مصدرين مهمين, أولهما نص السيناريو الأصلي, وثانيهما رؤية المخرج وما يمثله من خبرات وقدرات فنية وإبداعية، إضافة إلي خبرات فريق العمل وطاقم صنع الفيلم نفسه مثل مدير التصوير ومهندس الديكور والمناظر، حيث يمكن أن يعمل هؤلاء جنباً إلى جنب مع المخرج في رسم واضفاء التفاصيل الفنية الدقيقة لهذا السيناريو الإخراجي كلٌ حسب صنعته ومكانه في الفريق.

ومع تضافر هذه الجهود بإمكان الملاحظ أن يرى مقدار المخيلة ونسب التوقع والقياس التي يضعها المخرج مع فريقه لصياغة ورسم الديكوباج، حيث أن هنالك  ملحمة فعلية ترسم على الورق قوامها مخططات وقياسات وأحجام ورسومات للقطات ومواضع الكاميرا بل وحتى الرتوش التي تبين عناصر أخرى ضمن اللقطة الواحدة كالإضاءة والزوايا وايحاءات الحركة.

سنشاهد في هذا العمل الابتكاري المبدع كثيراً من الأرقام والأسهم والرسومات وقليلا من الكلام، لأن الصورة البيانية تطغى وتكتسح التصور الذي ينبغي أن يخرج به مخرج الفيلم عن فلمه أكثر من الكلمة التي لعبت دورها سابقاً في السيناريو الأصلي لتنتهي سطوتها هنا ويفتح المجال أمام الصورة لتتحدث.

 من هنا, وجب على المخرج أن يلم ويدمج بين قدرات فهم السيناريو بل الغوص في عقل ولب السيناريست الذي كتب النص ليقدر على انتزاع ذلك العالم الصوري البديع من مخيلته لينقله إلى مخيلته هو ثم يترجمه فنياً وحرفياً إلى عالم مصور مجسد من ألوان أصوات ومؤثرات وشخصيات تتحرك أمام المشاهد علي الشاشة ..

لذا فإن القدرة علي قراءة ودراسة السيناريو كمرحلة تسبق دراسة الاخراج مهمة ومجدية ، فالمخرج الجيد هو من يتقن أسس وقواعد كتابة السيناريو قبل أن يبدأ طريقه كمخرج ..

قواعد الديكوباج

.. بالتأكيد هناك العديد من قواعد تصميم وتنفيذ الديكوباج وتصوير الشخصيات وتبادل وتتابع الكادرات ويمكن تبسيطها في عدة عناصر وخطوات يجب مراعاتها، ألا وهي ..

– مراعاة قواعد التتابع والراكورات للحركة والإضاءة والخلفيات.

– مراعاة التوافق والتطابق بين القطعات المتتابعة.

– المحافظة علي رتم الإيقاع واحساس الشخصيات والتعبيرات والإنفعالات وتوافقها في كل لقطة .

– وضع خطة لاستخدام العدسات بما يحقق الهدف الفني والفكري والدرامي.

– مراعاة الأبعاد النفسية للإضاة، مع ضبط تتابع راكورات الإضاءة من كل لقطة ومشهد للتالي.

– مراعاة وحدة الإنفعال والأداء للمثلين مع تغير اللقطات وزوايا الكاميرا .      

إن عنصر الموهبة الفنية التي يتحلي بها مخرج الفيلم، وقدرته علي فهم السيناريو المكتوب أمامه وتحويله من كلمات ومشاعر وأفكار لصورة مرئية، من الضروريات الملحة لصنع فيلم جيد مقبول جماهيرياً …