مقالات وأراء

“أحمد إبراهيم” يكتب: “نجيب محفوظ” يعود للحياة بتجارة القاهرة ..!!  

للمسرح الجامعي أهمية كبري في حياة طلبة الكليات والجامعات، ليست أهمية ترفيهية فحسب بل أيضاً تعليمية تثقيفية ..

وتاريخ كليات التجارة المسرحي سواء بجامعة القاهرة أو بأي من الجامعات المصرية، طويل ومميز، فدائماً ما تزخر كليات التجارة بطلبة موهبين قادرين علي التشخيص والتمثيل بشكل مقنع، بالرغم من إفتقاد أغلبهم لعنصر الدراسة الذي يثقل الموهبة ويحولها لمنتج مفيد لصاحبها أو لمجتمعه وبيئته ..

  وبالموسم المسرحي بهذا العام، اختار فريق كلية التجارة أن يقدم لنا مسرحية “بداية ونهاية” عن واحدة من أهم وأبدع رويات أديب نوبل الحاضر الغائب نجيب محفوظ .. “11 ديسمبر 1911 30 أغسطس 2006” ..

وحقيقة الشاب “محمد يسري ” المخرج المعد للنص المسرحي، لم يقدم أي جديد إبداعياً .. يحقق أو يضيف للنص الروائي أو للهدف الفكري منه أو لشخصياتها أي جديد، بل لقد قدم الشخصيات هي هي كما هي وكأنها خرجت من شاشة التلفزيون أو السينما لتستقر علي خشبة مسرح كلية تجارة العريق، بالرغم من أنني عرفت أنه أحد طلبة قسم الإخراج بالفرقة الثالثة بمعهد الفنون المسرحية، فحسن وحسنين وحتي نفيسه هي هي كما قدمها الفيلم تقريباً لا روتوش خارجية إضافية ولا حتي تفسير لسبب سلوك الشخصيات واتجهاها لهذه المنحنيات والإنحرافات الخطرة التي أدت بأغلبها إلي نهاية فاجعة ومأساوية .. وحتي دون أن يقدم لنا مبررات هذه النهاية وسر هذه الخطوات التي مشتها الشخصيات حتي وصلت إلي هلاكها ومنحدرها الأخير …

فحتي نفيسه محور العمل ولبه – كما عبر المخرج من خلال اهتمامه بها سواء بالحركة أو الإضاءة أو الملابس أو مساحات وفترات التمثيل الصامت الطويلة التي أفردها لها – لم تقدم لنا تفسير وسر لهذا الإنحراف الخطير والإنجراف في علاقه آثمة مع سليمان إبن البقال، فحتي طلاقة لسانه ووسامته وكلامه الحلو لا يبرر هذا السقوط الأخلاقي لفتاة بنت بلد تعيش بحي شعبي لها أخوة ثلاثة من الذكور أحدهم بلطجي وشيخ منصر والأخر ضابط شرطة ..!!!

لقد كان مخرج العمل وكاتب نصه المسرحي بحاجة لمزيد من التأني والتركيز والإهتمام والقراءة النفسية العميقة لسلوك الأبطال ولظروف تواجدهم التاريخي والاقتصادي والإجتماعي ..  حتي يقدم لنا هذا العمل الخطير ذو الأبعاد والأهداف الفكرية المتعددة سواء الإنسانية النفسية أو الإجتماعية الإقتصادية ..

ولكن في الحقيقة يحسب لهذا المخرج الصغير جرأته وتناوله وإحياءه لعمل هام من أعمال أديب نوبل وعم الرواية العربية نجيب محفوظ ..

خمارة وعركة

..  كما أن المخرج الشاب استطاع استثمار طاقات ممثلية الشباب وحيويتهم المشتعلة، فأشعل الحضور من طلبة المسرح من خلال زرعه لعدة مشاهد – أقرب لسيما المناظر التجارية – كمشهدي الخمارة والعركة، وإن كنت ضد هذه النوعية من المشاهد بالمسرح الجامعي تحديداً .. والتي نحت بالنص الروائي من كونه نص إنساني بحت إلي نص تجاري أقرب للأكشن .. إلا أن استقبال الحضور الطلاب لهذه المشاهد إذهلني، فمن حرارة الاستقبال وحدة التصفيق وتكرار الصفير شعرت بإنني أشاهد فيلماً لملك الترسو فريد شوقي في أحد السينمات الشعبية ..!!!

ولكن كل الممثلين مذهلين أدائهم منعش وحيوي وخصوصاً بطلة العرض “نغم علاء” التي قدمت شخصية نفيسه، بمشاهدها العديدة الصعبة الانفعالات والتطورات وأيضاً “رغدة محمد” التي قدمت شخصية بهية بلطف ورقة تحسد عليها، وكذلك “يوسف شلبي” الذي قدم شخصية حسنين بإنتهازية واضحة منذ أول لحظة لظهوره علي المسرح وحتي إقدامه علي الإنتحار .. كافة الممثلين كانوا في قمة النشاط .. أغلهم يمتلك نزاعات كوميدية لطيفة مضحكة وغير مكررة .. كما أن بينهم ممثل صغير جداً في الحجم – محمد حلمي- لم يلعب شخصية محددة ولكن أداءه الفارس الكاركاتوري في المغازلة وأثناء العركة، أكمل كثير من اللوحات المسرحية، فهو يستخدم نوعاً من التكنيك التمثيلي التضخيمي الإستعراضي المضاد كلية وتماماً لحقيقة وإمكانات حجمه الصغير يجعلك تضحك من قلبك، فهو لا يقلد أحداً ولكنه يعرف طبيعة تكوينه الجسماني إضافة لقراءة جيدة للمشهد الذي يتحرك به، ولقد أضاف حلمي الصغير العديد من القفشات الهامة المضحكة اللازعة ..

وفي النهاية فإن كل عمل مسرحي جديد علي خشبة مسرح أي من كليات جامعاتنا المصرية، هو مكسب للحركة المسرحية والطلابية والثقافية الفكرية  ..

فتحية لشباب مسرح كلية تجارة القاهرة ولمعد النص المسرحي ومخرجه محمد يسري ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights