مقالات وأراء

“عبدالحليم قنديل” يكتب: مقاومة “غزة” المذهلة ..

على جبهة الدم الفلسطينى ، تبدو مواقف "ترامب" ذيلية تماما لكيان الاحتلال ..

    كما قلنا هنا قبل أسبوعين ، فلا نهاية منظورة للنيران من “غزة” إلى إيران ، وهذا الذى يجرى فى سوريا وجنوبها و”السويداء” اليوم ، قد ينتقل قريبا إلى لبنان ، ويدخل كيان الاحتلال طرفا مباشرا بالنار فى احترابات الدم الداخلية ، وربما تتجدد الحرب على إيران مع اقتراب موعد إطلاق “آلية الزناد” فى أكتوبر المقبل ، ولا يبدو أن حرب إبادة “غزة” قابلة لتوقف نهائى قريبا ، رغم التذبذب الحاصل فى مؤشرات بورصة مفاوضات الوساطة الجارية بالدوحة والقاهرة ، فالأمر مرتبط ابتداء وانتهاء بتوجه واشنطن والرئيس الأمريكى “دونالد ترامب” الضائع فى متاهته الدولية ، وقد تذهب به هلاوسه مع نصائح “بنيامين نتنياهو” قائده الميدانى إلى اعتقاد بائس ، قد يرى معه أن الطريق لنيله “جائزة نوبل للسلام” مفروش بالدماء ، وبدماء العرب والفلسطينيين بالذات .

  وعلى جبهة الدم الفلسطينى ، تبدو مواقف “ترامب” ذيلية تماما لكيان الاحتلال ، ومفضوحة أكثر من مواقف “نتنياهو” نفسه ، الذى يغلف كلامه أحيانا بمسحة خداع ، وكلنا يذكر ما جرى على مائدة عشاء “نتنياهو” فى المكتب البيضاوى ، فكلما سألوا “ترامب” عن موقفه من شئ أحاله إلى “نتنياهو” ، وقتها سأل بعض الصحفيين “ترامب” عن موقفه من خطته الشهيرة لتهجير الفلسطينيين وإقامة “الريفييرا” إياها فى “غزة” ، ولم يجد “ترامب” عندها ما يقوله ، وأشار إلى “نتنياهو” طالبا منه المساعدة ، ورد “نتنياهو” متقمصا شخصية “ترامب” نفسه ، وقال أن الرئيس الأمريكى يريد ترك حرية الاختيار للفلسطينيين فى التهجير “الطوعى” (!)

وعندما سألوا “ترامب” عن رأيه فى حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية ، لم يحر جوابا إلا بتكرار الإشارة باليد إلى “نتنياهو” ، وكان رد “نتنياهو” صريحا فى رفض إقامة أى كيان فلسطينى مستقل ، وتصميمه على جعل قضايا الأمن كلها فى يد “إسرائيل” من نهر الأردن إلى البحر المتوسط ، وإن كان لا يمانع ـ كما قال ـ فى حكم جيوب الفلسطينيين لأنفسهم إداريا ، وعلى نحو ما بدا فى دعم الاحتلال لعملاء مثل “ياسر أبو شباب” فى “غزة” أو “تامر الجعبرى” فى الخليل ، وألا تكون هناك من سلطة فلسطينية فى “رام الله” أو فى “غزة” ، وحتى فى تفاصيل النقاش اليومى حول هدنة الستين يوما فى “غزة” ، لا يمل “ترامب” من إشاعة أجواء تفاؤل مصنوع ، ويذهب بالتوقعات من زحف أسبوع لأسبوع ، وهو ما صار موضعا لسخرية و”تريقة” الإعلام “الإسرائيلى” نفسه ، وحين وضع “نتنياهو” العصى فى العجلات ، وعرض ما يسميه خرائط إعادة انتشار لقوات الاحتلال فى “غزة” ، تبقى 40% من إجمالى مساحة القطاع تحت سيطرة جيش الاحتلال ، ثم لجأ إلى لعبة “القص واللصق” ، وتقديم خرائط مراوغة جديدة ، اعترض عليها المفاوض الفلسطينى كما الوسيط المصرى ، وكان تعليق “ترامب” العلنى ظاهرا فى مغزاه ، إذ اعتبر أن الحديث عن انسحاب “إسرائيلى” ـ أو إعادة انتشارـ مضيعة للوقت والجهد ، فما يهمه هو ما يهم “نتنياهو” بالضبط ، أى أن يجرى تبادلا متفقا عليه للأسرى والرهائن ، واستهلاك وقت الهدنة فى فرض شروط على “حماس” وأخواتها ، تنزع سلاحها وتنفى قادتها ، وتسحب مئات آلاف الفلسطينيين من الشمال إلى ما يسمونه “المدينة الإنسانية” فى “رفح” ، ودفعهم فيما بعد ـ مع تجدد الحرب بعد الهدنة القصيرة ـ إلى مصير التهجير “الاختيارى” بألفاظ “نتنياهو” ، و”المدينة الإنسانية” المزعومة تشبه ما أسموه “منظمة غزة الإنسانية” الأمريكية “الإسرائيلية” ، كلاهما عمل إجرامى بامتياز ، ومثلما تحوات نقاط مساعدات المنظمة الإجرامية إلى “مصائد موت” لآلاف الفلسطينيين إلى اليوم ، فإن “المدينة الإنسانية” إياها ليست سوى معسكر اعتقال نازى ، كما اعترف بذلك حتى “إيهود أولمرت” رئيس وزراء العدو الأسبق ، لا يقصد منه إلا أن يكون محطة احتجاز للفلسطينيين ، والتهيئة لنقلهم نهائيا إلى سيناء المصرية .

  ومع ما يبدو عليه الموقف العربى من هزال و”تحلل رمى” ، فلا أحد ينتصر حقا لغزة سوى شعبها ومقاومتها ، ولا حس ولا خبر فى القصور أو فى الشوارع ، ولا يوجد مسئول عربى ولا حتى فلسطينى فعل ما يشبه أو يقارب ما فعلته وتعاقب عليه الإيطالية “فرانشيسكا ألبانيزى” المقررة الخاصة للأمم المتحدة بشأن الأراضى الفلسطينية المحتلة ، التى تصرخ كل يوم منددة بحرب الإبادة الجماعية للفلسطينيين فى “غزة” والضفة ، وتطالب كل دول العالم بمقاطعة “إسرائيل” العنصرية ، وبادرت إدارة “ترامب” إلى معاقبتها مؤازرة للكيان وجيشه الإجرامى ، الذى يصفه “نتنياهو” بأكثر الجيوش أخلاقية فى العالم ، بينما هو أكثر الجيوش انحطاطا ووحشية فى التاريخ ، وهو يواصل حرب إبادة البشر والحجر والبشر المدنيين المسالمين ، وبالذات الرضع والأطفال والنساء ، وبطاقة نيران ومحارق جهنمية ، يستشهد فيها ما يزيد على مئة فلسطينى يوميا ، وتدير واشنطن المحرقة الرهيبة من بعيد ومن قريب ، وتدعم حرب الإبادة بقنابلها الثقيلة الخارقة للتحصينات ، وحتى بقاذفات “بى 2” النووية ، كما قرر الكونجرس الأمريكى مؤخرا ، ومع كل ذلك الهول الإبادى ، لا يجد “نتنياهو” ولا “ترامب” حرجا فى الحديث عن السلام وعن “جائزة نوبل” ، ويتقبل “ترامب” ممتنا ترشيح حكومة “نتنياهو” للرئيس الأمريكى لنيل الجائزة ، وكأننا فى كوميديا سوداء من مسرح العبث ، يرشح فيها مجرم حرب نظيره لنيل جائزة سلام ، مع تواطؤ وعجز غير مسبوق فى المجتمع الدولى وقبله وبعده فى المجتمع العربى ، فلم تعد من قيمة تبقت لأى قانون دولى ، وإن حدث العكس أحيانا ، كما جرى مع إصدار المحكمة الجنائية الدولية لأمر اعتقال بحق “نتنياهو” ، تغض دول أوروبية الطرف عنه ، وتسمح بمرور طائرة “نتنياهو” فى أجوائها ، رغم كونها من الأعضاء المؤسسين لاتفاقية روما المنشئة للمحكمة الجنائية الدولية ، ثم تضرب بقراراتها الملزمة عرض الحائط ، ولا تعتقل المجرم المطلوب ، ولا تمنعه من المرور بأجوائها ، ومع كامل العرفان والإعجاب بالمظاهرات المناهضة لحرب الإبادة فى أغلب عواصم أوروبا ، وإن لم تنجح فى زحزحة مواقف الحكومات إلا قليلا ، وباستثناءات باهرة فى أيرلندا وأسبانيا وبلجيكا والنرويج وسلوفينيا وغيرها ، تضاف إلى صحوة حكومات فى عالم الجنوب ، من كولومبيا ونيكارجوا وفنزويلا إلى جنوب أفريقيا وغيرها ، إلا أن يقظة الكثير من الضمائر ، لم توقف النار المصبوبة فوق رءوس الفلسطينيين حتى الآن ، ولا أفادت فى وقف مآسى تقطيع أجساد الفلسطينيين إلى أشلاء ، لا يجد الفلسطينيون حتى فرصة تنفس لتكفينها ودفنها ، لكن “غزة” الوحيدة الفريدة المعانية ، وكما لم يحدث لشعب آخر بإطلاق التاريخ الإنسانى ، “غزة” التى يكتوى أهلها بنار المحرقة ، ويقاسون قتلا وتشريدا وتعطيشا وتجويعا ، لو وزع على كل أهل الأرض لأرهقهم ألما ، “غزة” التى هى تحت الإبادة تواصل كتابة أسطورتها الخاصة جدا ، عذاب أسطورى مصحوب بصمود أسطورى إجبارى ، ورفض كامل لترحيلهم من الوطن المقدس ، ورفد لجماعات المقاومة المسلحة بمدد يومى من المقاتلين الاستشهاديين ، آلاف الشباب ينضمون لجماعات المقاومة المحاصرة ، وإذا كان لا بد من موت فلتكن الشهادة الأكرم عند الله والناس ، وهو ما يفسر هذه الحيوية الفياضة المتجددة لأعمال المقاومة ، برغم دمار كل شئ ، وبرغم هدم البيوت والشوارع وحرق الخيام كلها تقريبا ، ورغم دخولنا إلى الشهر الثانى والعشرين من عمر حرب الإبادة الأمريكية “الإسرائيلية” ، فلا تزال جماعات المقاومة الفلسطينية بكامل عافيتها وعنفوان عملها الفدائى ، وتخوض حرب استنزاف ضد جيش الاحتلال ، وتدير كمائن عبقرية تنهك جيش الاحتلال وكيانه ، الذى ظن أن استشهاد القادة يطفئ نار المقاومة ويمزق خلاياها ، ويقرب ساعة القضاء على “حماس” وأخواتها ، خصوصا مع حصار مطلق ، لا تذهب معه إلى المقاومة طلقة رصاص ولا شربة ماء ، لكن المقاومة كانت كشعبها فى رفض الاستسلام ، وولدت بعد ذهاب القادة قوافل من القادة الجدد ، يخوضون عملياتهم كجيش هائل التنظيم ، ويصنعون سلاحهم وبنادقهم وعبواتهم الناسفة بأيديهم ، ويحولون قذائف العدو وصواريخه التى لم تنفجر إلى سلاح للمقاومة بالهندسة العكسية ، وهكذا صرنا فى الشهرين الأخيرين إلى قاعدة “كمين كل يوم” ، وفى كل مكان من “خان يونس” إلى “الشجاعية” و”التفاح” و”جباليا” و”بيت حانون” ، وبذكاء عقول تحفظ الإيمان بالله وبفلسطين فى القلب ، وبجرأة تقفز بوقائع القتال إلى تعرض مباشر من المسافة صفر ومن دونها ، وبتزايد متصل من قتلى ضباط وجنود العدو ، صعد بأرقام خسائر العدو إلى عشرة آلاف قتيل وجريح حتى اليوم بحسب ما تعلنه “إسرائيل” ذاتها ، وما خفى كان أعظم وأفدح كثيرا .

   وبالجملة ، فإن جيش الاحتلال يقتل المدنيين عشوائيا وبخسة همجية ، بينما المقاومة تقاتل بشرف على نحو أسطورى مذهل ، و”أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير ” صدق الله العظيم .

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights