بروفايل

“أحمد أبو صالح” يكتب: رسائل “جين” الأخيرة

 

السيدة “جيهان السادات” نموذج فريد لإنسانة خاضت معارك وعايشت ظروفاً صعبة وقاسية لم تعايشها امرأة في التاريخ فلقد تزوجت رجلاً منبوز سياسياً ولا عمل له “مشرد”، ولكنها أحبته وآمنت به وساندته ببسالة امرأة عظيمة في ظروف هي الأصعب والأهم في تاريخ مصر؛ ثورات وحروب وأطماع ونزاعات طائفية ومقاطعات سياسية وثورة خبزٍ وأخيراً شهادة في سبيل الوطن بيد خونة في مشهد هو الأقسي بحياتها وفي تاريخ هذه البلاد. 

حفل زفاف الرئيس وزوجنه
حفل زفاف الرئيس وزوجته

وفي الذكري الأربعين لسيدة الحرب والسلام أو “جين” كما كان يحب أن يلقبها و يناديها الرئيس الراحل “محمد أنور السادات” يجب أن نقف بالدرس والتأمل لطبيعة شخصية هذه السيدة وللعبر والرسائل التي علمتنا إياها من المواقف العديدة الصعبة التي مرت بها.

 

الزوجة الوفية

إن كان التاريخ العربي الإسلامي يحتفي بستنا خديجة رضي الله عنها كأيقونة للإخلاص وصدق العهد، حيث قال عنها رسول الله صلي الله عليه وسلم : «آمنت بى إذ كفر بى الناس، وصدقتنى إذ كذبنى الناس، وواستنى بمالها إذ حرمنى الناس، ورزقنى الله عز وجل ولدها إذ حرمنى أولاد النساء»، فإن هذا تقريباً ما حدث بين الرئيس الراحل “أنور السادات” وزوجته الفاضلة الراحلة “جيهان السادات”، فلقد أمنت به وهو الضابط المفصول من الجيش المنبوذ من الحكومة والحاكم ومن سلطات الإحتلال الانجليزي بل وقد يكون من أقرب أصدقاءه ورفاقه، ولكن صفة وفضيلة الوفاء الأصيلة المتجذرة بقلب وعقل هذه الفتاة الصغيرة، وإيمانها القوي بحدسها وبملكاتها، دفعتها دفعاً للارتباط بهذا الرجل صاحب التاريخ المأساوي والمستقبل الغامض، لتكون تلك البداية الصعبة نواة لحياة لا مثيل لها مع رجل تربع علي عرش دولة من أقدم وأعرق وأهم دول الدنيا، لتكن هي إلي جواره السيدة الأولي، مصدقة إياه في كل خطواته ومشاريعه حتي التي عارضه فيها الكثيرين من رفقاءه السياسين أو من الجماهير المصرية العادية كاتفاقية كامب ديفيد وغيرها من خطوات سياسية اتسمت بالمفاجأة الجريئة.  

الرئيس والسيدة الأولي
الرئيس والسيدة الأولي

 

قانون جيهان 

استثمرت هذه السيدة ذلك الإختيار الرباني النادر لتكون في خدمة الوطن المحتل الفقير، فلقد كانت “جين” تتمتع بملكة الشياكة والرقي فهي إبنة الأستاذ الجامعي والسيدة البريطانية، المنفتحة علي ثقافات عدة المتقنة للغة الإنجليزية، في وقت كان ظلام الجهل مسيطراً علي أجواء الحياة والعقول المصرية، وهو ما سهل لها الطريق لأن تلعب دوار بارزاً في الحياة العامة، خاصة وإنها عاشت لجوار داهية سياسية وعقلاً تمرس النضال والعراك السياسي منذ نعومة أظافره وفي أوقات كانت تتمتع فيه البلاد بالحيوية والسخونة السياسية، بلداً يتمني الاستقلال ويطمح للجمهورية، كانت “جين” إلي جوار “السادات” بقلب هذه الأحداث وهو ما شكل لها شخصية وعقلية سياسية تفهم لغة الجماهير وتعلم جيداً مشاق وصعوبة العمل العام. 

فكانت أولي معاركها المجتمعية بعد أن تربعت علي عرش مصر بأن عدلت وغيرت قانون الأحوال الشخصية سنة 1979 المعروف بقانون جيهان، هذا القانون الذي حقق للمرأة العديد من المكاسب المجتمعية كحق النفقة والحق في حضانة الأطفال. 

لم يتوقف دور جيهان السادات عند هذا الحد بل إمتد إلي الإهتمام بتعليم المرأة وحثها علي ممارسة دور سياسي، فلقد كانت السبب الرئيسي في تخصيص 30 مقعداً بالبرلمان للنساء، كما أسست جمعية الوفاء والأمل، واهتمت بتحقيق الإستقلال الإقتصادي للمرأة.

السيدة الأولي مع المحاربين
السيدة الأولي مع المحاربين

 

رسائل جين 

 كانت “جين” هذه السيدة الجميلة زوجة السياسي البارز شريك صناعة ثورة يونيو المجيدة والمقرب من الزعيم الجماهيري الخالد جمال عبد الناصر، صاحبة السبق في التحرك لمساندة البلاد والمحاربين في أوقات الحرب العصيبة والتي بدأت بحرب 1956 ثم نكسة حرب 1967 ثم حرب الاستنزاف، فلقد كانت هذه السيدة الجميلة زوجة المسئول الكبير تداوي المحاربين من مصابي الحروب والعمليات العسكرية بيدها، كانت تشارك بشكل أو بآخر في حروبنا ضد العدو المحتل لأراضينا العربية، بل لقد كانت تكتب رسائل المجندين وجرحي الحرب بيدها وترسلها لأقاربهم وآهاليهم في قراهم ونجوعهم البعيدة المترامية. 

هذه الرسائل التي كتبتها “جين” بالماضي لم يتوقف صدها إلي الآن، فإن هذه السيدة خطت لنفسها سيرة خالدة من سير الوطن، فهي مدرسة للإخلاص والوفاء وصدق العهد والتحمل بإباء وصبر جميل، إن السيدة جيهان السادات قصة ستروي طويلا وإلي الأبد، ولقد حان الوقت لأن تجسد سيرتها العطرة في عمل درامي  يبرز الصفات الرفيعة الخالدة لهذه السيدة البارة بوطنها وببنات جنسها، خصوصاً وأننا الآن شعبا يعاني أمراضاً وآفات إجتماعية قاتلة، تتمثل في إنتشار الطلاق والخيانة والبخل علي الوطن وضعف الطموح واليأس، ومن حسن الحظ أن لدينا من كتابنا وفنانينا من هم قادرين علي تجسيد هذه السيرة الخالدة العطرة التي تتضافر وتتماس مع أحداث كبري وهامة وخالدة من عمر هذا الوطن.

غلاف كتاب أمي في السلام
غلاف كتاب أملي في السلام

 ولقد تم هذا بالفعل وبصورة جيدة في فيلم “أيام السادات” للراحل أحمد ذكي وللفنانة المتقنة مني ذكي، لذا فإن علينا أن نسرع في إتمام هذا العمل ونوفر له الإمكانيات اللازمة لخروجه بأفضل صورة للنور.

 

ودعاً سيدة مصر الأولي وداعاً أيقونة الإخلاص والوفاء

 

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights