أخبار عربية وعالمية

شروط لعودة سوريا للجامعة العربية

عُقد بالعاصمة الأردنية عمّان مطلع شهر مايو 2023 اجتماع وزاري بشأن سوريا، ضم وزراء خارجية مصر والعراق والأردن والسعودية وسوريا. وجاء الاجتماع بعد مسارات متنوعة ومنفردة للتقارب العربى مع النظام السورى على مدار العامين الماضيين، وهى مسارات اتخذت وتيرة متسارعة منذ أحداث الزلزال الذى تعرضت له مناطق الشمال السورى خلال فبراير الماضى؛ حيث فرضت التداعيات الإنسانية لهذه الكارثة الطبيعية نمطاً من التفاعل الإيجابى بين الدول العربية والنظام السورى، ما اعتبره البعض استكمالاً لمسار عربى للتفاعل مع الأزمة السورية من منطلقات جديدة ومختلفة فرضتها تطورات الأحداث الإقليمية والدولية على مدار العام ونصف العام الماضيين.

هذا إلى جانب التحولات فى البيئة الإقليمية خلال الشهرين الماضيين؛ خاصة ما يتعلق بحالة التهدئة الإقليمية على هامش إعلان كل من السعودية وإيران عودة العلاقات الثنائية بينهما، وانعكاسات ذلك التطور على ملفات تعارض المصالح والنفوذ بين الجانبين بدءاً من اليمن ومروراً بالعراق وسوريا ولبنان.

أهداف متنوعة

الاجتماع فى مضمونه العام يهدف إلى رسم “خريطة عربية” جديدة للتعامل مع دمشق فى ضوء التطورات الدولية والإقليمية خلال العامين الماضيين؛ على كافة الأصعدة الإنسانية والسياسية والأمنية والاقتصادية، لاسيما فى مجالات العودة الطوعية للاجئين السوريين وتهيئة الأجواء عبر الحكومة السورية لهذه العودة، وضبط الحدود لمنع تهريب المخدرات إلى دول الجوار، وذلك عبر إنشاء آليات تنسيق فعالة بين الأجهزة العسكرية والأمنية السورية ونظيراتها فى الدول المجاورة لضبط أمن الحدود، واستمرارية فتح المعابر أمام دخول المساعدات الإنسانية الدولية واستمرار مسارات التعافى المبكر. كما اتفق المجتمعون على تشكيل لجان عمل لوضع خريطة طريق بشأن التوصل لحل سياسى فى سوريا بما ينسجم وقرار مجلس الأمن رقم 2254 لعام 2015.

لكن يبدو الاجتماع فى تفاصيله الدقيقة وكأنه محاولة جديدة لرسم خطوط التفاعل العربى مع النظام السورى على قاعدة “خطوة مقابل خطوة “؛ أى البحث عن خطوات سورية مقابلة لتلك الخطوات الإيجابية التى أبدتها الدول العربية تجاه النظام مؤخراً، وهو ما يعنى أن الدول العربية – أو بعضها – ترى أن تحركات النظام السورى تجاه حالة التقارب العربى لاتزال بعيدة عن المستوى “المطلوب”، الأمر الذى يحمل تكهنات عديدة بشأن انعكاسات حالة “الحذر” التى يبديها النظام فى دمشق تجاه وتيرة التقارب السريعة التى تبديها الدول العربية معه، وهى الحالة نفسها التى تضع مسار عودة العلاقات السورية مع العالم العربى، عبر بوابة استعادة سوريا لمقعدها فى جامعة الدول العربية خلال القمة المقبلة، على المحك، الأمر الذى يفرض تساؤلات بشأن طبيعة توجهات دمشق حيال التقارب العربى خلال الأيام المقبلة، التى تستبق انعقاد القمة العربية فى السعودية يوم 19 مايو الجارى.

الأمر نفسه على الجانب السورى، فثمة تحفظات حيال خطوات التقارب العربية؛ تنطلق من تصور أن دمشق وإن كانت ترى فى التقارب العربى وعودتها إلى آلية العمل العربى المشترك عبر الجامعة العربية انتصاراً لنظامها فى مواجهة تداعيات 12 عاماً من أزمتها السياسية، لكنها فى الوقت نفسه ترفض أن تكون هذه العودة “مشروطة” أو متعلقة بطبيعة تفاعلاتها مع القوى الإقليمية فى المنطقة، وهو ما يعنى أن وتيرة التقارب العربية السريعة مع دمشق تقابلها الأخيرة بحالة من الجمود أو التأنى فى الرؤية لنمط هذا التقارب ومتطلباته، الأمر الذى انعكس بوضوح فى تصريحات وزير الخارجية العراقى فؤاد حسين حينما قال أن الاجتماع توصل إلى “تفاهمات جديدة” بشأن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، مضيفاً أن “هذه العودة تحتاج إلى قرار وفقاً لآلية عمل الجامعة”.

وهذا يفترض أن اجتماع عمان التشاورى كان هدفه استبيان موقف النظام السورى من جملة “متطلبات” تسعى بعض الدول العربية الفاعلة إلى أن تأخذها دمشق بعين الاعتبار، وأن تعلن موقفها منها قبل اجتماع جامعة الدول العربية القادم، لاسيما وأن اجتماع جدة الأخير الذى عُقد فى منتصف إبريل المنصرم بين مجلس التعاون الخليجى – عدا الكويت التى ترفض المصالحة مع النظام السورى – والأردن والعراق ومصر لم يتوصل إلى “توافق” يقضى بعودة محتملة لسوريا إلى الجامعة العربية.

تأتى فى مقدمة الشروط أو المتطلبات التى أقرها اجتماع عمّان التشاورى، بشأن عودة سوريا إلى الجامعة العربية، ضرورة إنهاء وجود الميليشيات الإيرانية المسلحة من ناحية، وتحديد موقف دمشق من حالة التغيير الديموغرافى واسعة النطاق التى تقوم بها هذه الميليشيات داخل المحافظات السورية من ناحية أخرى، وتحييد دور هذه الميليشيات فى تهديد الأمن الإقليمى من ناحية ثالثة. هذا بالإضافة إلى اتخاذ خطوات إيجابية حيال تحقيق المصالحة الوطنية بين أطياف المجتمع السياسى السورى. إلى جانب العمل على استئناف أعمال اللجنة الدستورية السورية المشتركة.

 والجدير بالذكر هنا أن حالة الترقب التى يتعامل بها النظام السورى مع حالة التقارب العربى لا تتماشى واقعياً مع احتياجه الشديد للعودة إلى العمق العربى؛ لأن هذه العودة تعد ضرورة وهدف تفرضهما حقيقة واقعية، وهى احتياجه الفعلى إلى الفرص الناتجة عن حالة التقارب العربى لتوظيفها فى الخروج من الحصار الاقتصادى المفروض عليه من ناحية، واتخاذها وسيلة لإنهاء العزلة السياسية الدولية التى يعانى منها من ناحية ثانية؛ لاسيما وأن  الولايات المتحدة والدول الأوربية أعلنت عدم رغبتها فى التطبيع مع نظام الأسد فى الوقت الراهن، هذا بخلاف ما يمثله التطبيع العربى بالنسبة للنظام من أهمية فى مجال إعادة الإعمار، عبر ضح الاستثمارات العربية داخل الاقتصاد السورى المنهك بفعل العقوبات.

دور عربى جديد

قدم اجتماع عمّان التشاورى – وفقاً لما سبق عرضه – رؤية عربية يمكن اعتبارها خارطة طريق لبلورة موقف عربى واضح من التطبيع مع النظام السورى، وبلورة دور جديد فى حل الأزمة السورية عبر المبادرة الأردنية التى تعتمد التوصل إلى حل سياسى بشأن الأزمة السورية انطلاقاً من المرجعيات الدولية، وقرار مجلس الأمن الدولى رقم 2254.

هذا الحضور العربى التنسيقى فى صورته الجديدة على مسرح الأزمة السورية، وفى سياق علاقته بالنظام السورى يقدم فرصاً مواتية للأخير تمكنه – حال انتهازها- من دعمه فى فرض سيادته على أراضيه، وفى الوقت نفسه موازنة دور القوى الإقليمية غير العربية التى لها وجود عسكرى واضح فى سوريا وهما إيران وتركيا. وهذا سيؤدى إلى عدم تفرد تلك القوى، إلى جانب روسيا والولايات المتحدة، بالحل السياسى المأمول بشأن الأزمة السورية، خاصة وأن التفاعل العربى الجديد بشأن الملف السورى يتخذ مساراً مختلفاً عن حالته التى كان عليها من قبل.

فى الوقت نفسه، تسعى الدول العربية، ومن خلال تأكيدها على أهمية التوصل لحل سياسى ينهى الأزمة السورية عبر المرجعيات الدولية، إلى عدم التصادم مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية التى لاتزال ترى أن النظام السورى لم يقم بخطوات إيجابية فاعلة فى مسار الحل السياسى، وتراقب ما ستفضى إليه حالة التقارب العربى مع النظام السورى، لاسيما الشراكات الاقتصادية المحتملة بشأن إعادة الإعمار، ومدى تعارضها مع العقوبات المفروضة عليه خاصة قانون قيصر.

إلى جانب ذلك، فإن لجوء الدول العربية – المشاركة فى اجتماع عمّان – إلى وضع خريطة طريق عربية للتعامل مع النظام السورى تعتمد على معالجة الإشكاليات الناتجة أساساً عن الصراع؛ كأزمة اللاجئين، ومكافحة الارهاب، والوجود الميليشياوى المسلح، والتي من شأنها “تفكيك” الأزمة إلى إشكاليات جزئية، يمكن حال التوصل إلى حلها الانتقال التدريجى إلى الحلول الكلية للأزمة، لأن الدول العربية أدركت عدم جدوى الاستمرار فى البحث عن حل “نهائى” للأزمة من غير التوصل إلى معالجة فعلية للقضايا الجزئية المرتبطة بمسار التسوية.

النقطة المهمة هنا أيضاً، أن آلية العمل العربى التشاورى المتتالية بشأن التقارب مع النظام السورى يبدو أنها لن تتوقف حتى فى حال تأخر عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وهو ما يساهم فعلياً فى ديمومة التفاعل العربى – ولو جزئياً – مع تطورات الأزمة السورية. وهذا الاستمرار يمثل خصماً بالضرورة من رصيد القوى الإقليمية غير العربية الموجودة عسكرياً داخل الأراضى السورية، وتحديداً الدور الإيرانى القوى فى الداخل السورى.

 فالجدير بالملاحظة هنا أن إيران تحاول تقوية دورها فى سوريا كلما استشعرت ارتفاع وتيرة التقارب العربى مع النظام السورى، حيث رفعت من وتيرة التعاون الاقتصادى مع دمشق خلال الفترة الماضية فى قطاعات الطاقة والبنية التحتية؛ بهدف الحد من تأثيرات العودة السورية إلى العمق العربى على سياستها ومصالحها فى الداخل السورى، ذلك بالرغم من مسارات التهدئة فى العلاقات الإيرانية – السعودية على المستوى الثنائى والإقليمى. ولعل زيارة الرئيس الإيرانى إبراهيم رئيسي لدمشق فى 3 مايو الجارى تدخل ضمن سياقات “توطيد” الارتباطات الإيرانية -السورية فى مواجهة عوامل الجذب العربى لدمشق.

ينسحب الأمر نفسه على الجانب التركى الذى أبدى تقارباً واضحاً ومتدرجاً مع النظام السورى – وإن كانت إشكالياته لاتزال كبيرة ومتعددة – فثمة اتجاه تركى إلى التعامل مع النظام السورى مؤخراً عبر مسارين: مسار التقارب الثنائى المباشر وهو ما اتضح فى اللقاءات التى جمعت عدداً من مسئولى البلدين مؤخراً. ومسار صيغة آستانا بالتعاون مع إيران وروسيا، وهى الصيغة التى اتسعت مؤخراً لتشمل النظام السورى. فمن المتوقع أن دخول دمشق على معادلة التفاعل الثلاثية الخاصة بصيغة آستانا من شأنه أن يفرض مخرجات جديدة “قد” تتعارض مع التوجهات العربية التى توصل إليها اجتماع عمّان التشاورى فيما يتعلق بالتسوية السياسية للأزمة السورية.

من هذا المنطلق، يمكن تصنيف اجتماع عمّان التشاورى على أنه بداية مسار عربى جديد للتعامل مع سوريا يتخذ من الحلول الجزئية والتدرج آليتين فى التعامل مع إشكالية عودة سوريا لعمقها العربى من ناحية، وطرح رؤى جديدة للتسوية السياسية لأزمتها من ناحية ثانية. لكن هذا المسار يتطلب، وربما يشترط أن تقابل دمشق حالة الانفتاح العربى تجاهها بحالة تقارب مماثلة تعتمد على آلية “خطوة مقابل خطوة”، التى لا تعنى بالضرورة “تسوية عربية شاملة ” مع النظام السورى، لكنها فى الوقت نفسه تتيح مجالاً للتشاور، ومن ثم التفاوض حول العودة السورية للجامعة العربية ومتطلباتها المباشرة، وما قد يترتب على هذه العودة من نتائج إقليمية ودولية خلال الفترة المقبلة.

صافيناز محمد أحمد – مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights