.. يبدو أن القدر لأمر ما يخصه كان مبتهجاً سعيداً في اللحظة التي ولد فيها الطفل عادل محمد إمام يوم 17 مايو بالعام1940 بقرية شها محافظة الدقهلية، فهذا المولود قُدر له أن يكون عظيماً ودولة من دول الفن كالمطربة أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وغيرهم من أعلام وأهرمات فنية وثقافية وعلمية أثرت حياة الشعب المصري والعربي كله ..
فالفنان والممثل الكوميدي عادل إمام، تدرج منذ ظهوره الفني الأول، خطوة خطوة محققاً صعوداً فنياً هادئاً، إلي أن تأتي فترة السبعنيات، فيتحول عادل إمام إلي بطل من أبطال الشباك، ومنافس لنجوم لهم باع وخبرة فنية طويلة، إلا أن موهبة إمام وذكاءه الفني والإجتماعي أهله لأن يعتلي قمة النجومية الفنية سواء بالمسرح أو بالسينما أو حتي بالتلفزيون حينما ذهب إليه لمرات قليلة معدودة طوال مشواره الفني ..
.. منهج وسلوك ..
وحقيقة كل سلوك وتصرفات النجم الكوميدي عادل إمام طول تاريخه الفني الذي بدأه بستنيات القرن الماضي، تؤكد إلتزامه التام بكل معاني الوطنية المصرية، وإيمانه العميق وإلتصاقه الشديد بقضايا مجتمعه، فلقد نهج وتماهي مع رغبات الغالبية العظمي من الجماهير العربية المصرية، وتحديداً فيما يتعلق بملف الصراع العربي الصهيوني، ففي كل أعماله التي تناولت هذا العدو، كان إمام يؤكد دائماً أنه كاره ورافض لهذا العدو والكيان المزروع بقلب الوطن العربي، فسواء أكان العمل الفني الذي يتصدر إمام أفيشه ويحتل صدارته موجه أو مصنوع للشاشة البيضاء أو للشاشة الفضية، فستجده يوجه صفعة قوية للكيان الصهيوني وكل من يمثله، حتي وإن كان البطل الذي يجسده إمام واقعاً تحت تأثير هذا العدو أو أسيراً لإبتزازه، كما حدث ورأيناه في فيلم السفارة في العمارة، الذي أبدعه الكاتب والسيناريست يوسف معاطي، ونسج الصورة البصرية له المخرج الموهوب عمرو عرفه ..
السفارة في العمارة
.. وفيلم السفارة في العمارة نموذجاً لشكل ونمط أعمال إمام، التي يقدم بها نفسه للجمهور، فإن كانت الأعمال الوطنية التي تعبر عن الوطن وقضاياه القومية، دائماً ما تحقق روجاً ونجاحاً جماهيرياً متوقعاً، لطبيعة زائقة الجمهور المصري الحماسية، والذي يغلب علي تصرفاته حب الوطن السلبي، فتجده يعبر عن هذه العاطفة وهذا الحب من خلال المتابعة المخلصة الحارة لمباراة رياضية وتحديداً لماتش كرة قدم أو من خلال الإهتمام والمتابعة لمسلسل تلفزيوني أو فيلم سينمائي ..
إلا أن إمام تمكن بفضل موهبته الكبيرة وخبرته الفنية الطويلة، كممثلاً مسرحياً ثم سينمائياً وحتي بالتلفزيون، وبفضل التعاون مع فنانين أكفاء موهوبين من تقديم أعمال فنية دون مباشرة تتمتع ويتوافر فيها مكونات الحالة الدرامية التي تجذب وتشد الجماهير، فحتي وإن كانت هذه الأعمال حربية تعبر عن الحروب وتدور خبياها في عالم التخابر والتجسس، إلا أنك ستجد إمام جزء في قالب درامي جيد الصناعة والبناء يُمكنه من استثمار قدراته الفكاهية بشكل درامي يحقق له النجاح في احتلال قلوب الجماهير ..
.. لا للتطبيع ..
فبطل فيلم السفارة بالعمارة المهندس “شريف” العازب العازف عن الزواج، مفضلاً تعدد العلاقات والمغامرات النسائية، حظه العثر يوقعه في أزمة وورطة كبري، فهو جار للسفارة الصهيونية بالقاهرة، ومن هنا تبدأ كل أحداث الفيلم وتنفجر مواقفه الوطنية وبالطبع الكوميدية المضحكة التي يبدع فيها إمام دائماً هو وفريق عمله .. إلا أن المضمون النهائي والمغلف بالتاتش الفكاهي المضحك لعادل إمام، يؤكد ويراكم في رفض المواطن المصري والعربي للتطبيع، إياً كانت الإبتزازات أو المغريات ..
فإمام النجم الجماهيري الأول بالوطن العربي، بعد أكثر من ربع قرن من معاهدة السلام مع العدو الصهيوني، وبكل ما يملك من رصيد جماهيري ومحبة في قلوب ناس الوطن العربي، يضرب العدو الصهيوني ركله، أربكته بلا شك هو وكل المطبعين المستفيدين من ملف التطبيع الصهيوني .. فلا للتطبيع .. يقولها هذا الفيلم صريحة واضحة، بل وببراعة فنية ضُمنت أحداثه ببشائع ومجازر العدو الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني وقتله المتعمد للأطفال، كما لم ينسي سيناريو الفيلم أن يعري بعض المناطق الفكرية الشائكة بوطننا الغالي، والتي أنتجت بعض رديكالي ومتحجري الفكر اليساري، وأيضاً بعضاً من مستغلي الدين لتصدير العنف والقتل بإسم الجهاد في سبيل الله ..
.. بضاعة رائجة ..
.. طريقة إمام ومنهجه في التعامل مع القضايا الكبري والحرجه في وطننا العربي، يجعلنا بحاجه إلي إعادة القراءة والنظر مرات ومرات في شكل وأسلوب جديد، نقدم به ونطرح قضيانا علي الأجيال المتعاقبة جيالاً وراء جيل، والتي تثبت لنا دائماً أن شبابنا حاضر قوي التمسك بثوابت بلاده، وأن مكنونه النفسي والوجداني عصي علي التخلي أو حتي نسيان القضايا الوطنية والكبري .. وأن بيت القصيد، هو محاولات التذكير والتنبيه الدائمة لهذا الجيل المشغول بمنجزات عصره .. إن حنكة إمام وباعه الفني الطويل وظروف ميلاده ونشأته في عصر ذهبي فنياً وثقافياً وفكرياً .. مكنته من إنتاج نظرية فنية فكاهية خاصة .. لكنها بالتأكيد جيلاً بعد جيل وعاماً بعد عام تحتاج للتطوير والتحديث ..