مصر30/6

الحكومة المصرية تنسحب تدريجيا من المؤسسات الخدمية

البسطاء يعيشون بين كماشة ارتفاع الأسعار وتراجع الخدمات.

 عمقت الحكومة المصرية مخاوف البسطاء من خلال التلميح بالانسحاب التدريجي من إدارة مؤسسات خدمية حيوية لصالح القطاع الخاص، من دون أن توضح الخطط التي ترمي إليها بما لا يجعل الفقراء يشعرون أن الدولة تركتهم لمجموعة من المستثمرين ولم تتخذ إجراءات تكفي لحمايتهم مستقبلا.

واستقبلت شريحة كبيرة من المصريين تكليف رئيس الحكومة مصطفى مدبولي لوزير التربية والتعليم رضا حجازي ببدء طرح مجموعة مدارس على القطاع الخاص لإدارتها بحالة من الخوف، بعد أن تمادت الحكومة في الصمت لتفسير جدوى وأهداف القرار، وبدا الأمر كأنه بداية لخصخصة المدارس الحكومية.

وظهرت الحكومة غير مكترثة بنبض الشارع من تلويحها بالانسحاب من إدارة بعض المؤسسات والقطاعات الخدمية، ففي كل مرة تتطرق إلى الخروج من ملف بعينه لا تقدم إجابات مقنعة للرأي العام مع أن الدعم المقدم من الدولة إلى البسطاء هو الملاذ الأخير للحصول على الحد الأدنى من الحياة الكريمة.

وقررت الحكومة البدء في المرحلة الثانية من مشروع “حياة كريمة” لتطوير الريف بتكلفة 500 مليون دولار، على الرغم من حدة الأزمات الاقتصادية، لكن ذلك لا يكفي لجعل شريحة من المستفيدين أكثر اطمئنانا للخطوات البديلة التي تلجأ إليها الحكومة من خلال توسيع دائرة الاعتماد على القطاع الخاص لإدارة بعض مرافق الدولة.

وارتبط الخوف الأكبر عند نسبة كبيرة من المصريين باتجاه الحكومة للاعتماد على المستثمرين لإدارة منافذ التموين في محافظات عدة، وهي مقار يتم من خلالها توزيع السلع الغذائية المدعومة من الدولة على المواطنين بأسعار رمزية.

وتؤكد هذه الدوائر أن أزمة بعض الجهات الرسمية هي في إصرارها على عناد الشارع ورفض الحوار معه وإشراكه في الخطط المنتظر تطبيقها، فطريقة تقديمها للرأي العام توحي أن الحكومة تتآمر على الناس وتتلاعب بهم بطرق ملتوية.

وما عمّق من غضب البعض أن التحركات المتسارعة لتعزيز مشاركة القطاع الخاص في بعض القطاعات ارتبط بمؤسسات تمثل بالنسبة إلى المصريين جزءا من هويتهم، مثل المدارس والمستشفيات والجامعات والسكك الحديد ووسائل النقل العام والمطارات.

وتأتي المشكلة من أن دخول القطاع الخاص طرفا أصيلا في إدارة بعض المرافق لن يكون مجانيا، وإذا كان من الطبيعي تكسّب المستثمرين من وراء هذه الخطوة، فمن الضروري التمهيد لها جيدا وزيادة الدعم في كل قطاع.

وتمثل أيّ خطوة تقود لانسحاب الحكومة من أيّ قطاع حيوي أو مرفق خدمي انتكاسة للفقراء، سواء تحملت الدولة تعويض القطاع الخاص عن ذلك بنفسها أو استقطعت مقابل الإدارة من أموال الدعم، ففي الحالتين سيجد الفقير نفسه محملا بأعباء.

ويشكو مواطنون من تهالك البنى التحتية في بعض المرافق بسبب سوء الإدارة والتخطيط وغياب الرقابة والمحاسبة، وهي مبرّرات يتم التسويق لها لإقناع الناس بحتمية وجود طرف آخر غير الدولة يتولى مسؤولية الإدارة لتحسين الأداء.

وتسير الخطة الحكومية الرامية للانسحاب من القطاعات المرتبطة بالبسطاء تدريجيا لتجنب الصدام مع الشارع، حيث يجتمع رئيس الحكومة مع وزير التعليم لتكليفه بطرح عشر مدارس على المستثمرين، ثم يلتقي وزير الصحة ويوجهه بالاعتماد على القطاع الخاص في إدارة خمس مستشفيات، وهكذا.

ومع كل لقاء حكومي يتحدث عن تخارج الدولة من بعض المرافق تثار تساؤلات حول مصير مؤسسات كبيرة، ويعاد للأذهان ما عانى منه النظام عندما خرجت تلميحات حول الاستثمار في قناة السويس وجاهدت الحكومة لتهدئة الناس بنفي الأمر.

وقال طلعت خليل مقرر لجنة الموازنة والدين في المحور الاقتصادي بالحوار الوطني إن ما تفعله الحكومة من تخارج مستمر من قطاعات حيوية يقود إلى نتائج سلبية، فتكرار توجيه الصدمات بشأن تدني مسؤوليات الحكومة يضرب صمام الأمان للنظام.

وأضاف لـ”العرب” أن الحكومة ترفض استخدام مصطلح خصخصة في ما تفعله مع قطاعات خدمية عدة، لكنه يقع في جوهر الخصخصة، وهذا يثير شكوكا حول قدرات الدولة في الإدارة، وعلى الحكومة أن تدرك التداعيات الخطيرة لهذه التوجهات.

ولفت إلى أن جزءا مما تطلقه الحكومة من خطط للتطوير الإداري داخل بعض القطاعات هو اختبار للشارع لقياس مدى تقبله للمزيد من تخارج الدولة من بعض المؤسسات الخدمية، مع أن التمادي في هذا النهج يضاعف أوجاع البسطاء ويضرب مظلة الحماية الاجتماعية التي تحميهم من الظروف القاسية.

وبنى رافضون لنهج خصخصة القطاعات الخدمية رؤيتهم على أن ذلك لا يعني إخفاق الحكومة في ملف بعينه، وأن يتم تسليع الخدمة بإدخال القطاع الخاص طرفا في إدارتها هو نوع من التهور السياسي، ومن الخطأ التعامل مع صمت الناس على أنه قبول بالأمر الواقع، أو شيك على بياض حصلت عليه الحكومة من المواطنين.

ويتعامل مصريون مع الكيانات التي تقرر الحكومة الانسحاب منها تدريجيا على أنها مملوكة للشعب، ولا يجوز للحكومة المساس بها من خلال الخصخصة أو التخلي عن مسؤولياتها، فأيّ تفكير في مراجعة أولويات الإنفاق قد يفضي إلى صدام غير محسوب.

وتتعرض الحكومة لانتقادات من خبراء اقتصاديين واتهامها بأنها فشلت في إدارة ملف الدعم المقدم للفقراء من منظوره الشامل، لوجود فئات لا تستحق الحصول على مساعدات عينية من الدولة ولا تزال ضمن شريحة الرعاية الاجتماعية، ما تسبّب في اعتياد البعض على الاتكالية وعدم تحديد الفئات الأولى بالدعم.

وتفرض حالة الجدل السياسي حول مستقبل المؤسسات الخدمية أن تتحرك الحكومة سريعا لتوضيح الحقائق، لأن الصمت المبالغ فيه يمنح خصوم السلطة فرصة لتأليب الرأي العام، ولو كانت نوايا الحكومة حسنة وتعمل لخدمة البسطاء الذين يمثلون ظهيرا سياسيا قويا للنظام الحاكم لما لجأت إلى طرق ملتوية لتمرير خططها.

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights