أخبار عربية وعالمية

ملامح المشهد السياسي في إيران قبل الانتخابات الرئاسية

تكتسب الانتخابات الرئاسية التي ستُجرى في إيران يوم 28 يونيو 2024 طابعاً استثنائياً، ليس فقط لأنها ستُجرى بشكل مبكر إثر وفاة الرئيس السابق إبراهيم رئيسي، حيث سبق وأن تعامل النظام الإيراني مع حالات مشابهة من “الفراغ المُفاجِيء” في السلطة، ولكن أيضاً لأنها تجري في سياق متغيرات داخلية وخارجية سيكون لها دور في اختيار الرئيس الذي سيتولى مقاليد منصبه لمدة أربعة أعوام قادمة.

إذ منع مجلس صيانة الدستور- وهو هيئة غير منتخبة يهيمن عليها المحافظون، ويعد صاحب الخيار الأخير في تحديد من يحق له أن يكون ضمن المتنافسين على السباق الرئاسي، ومن لا يكون، وفقاً للمادة 118 من الدستور- العديد من المرشحين الإصلاحيين والمعتدلين من الترشح، على نحو دفع صحفاً عدة تابعة للتيار الإصلاحي إلى إطلاق مصطلح “5+1” على السباق الانتخابي القادم، في إشارة إلى أن المجلس قام بتزكية خمسة مرشحين من تيار المحافظين الأصوليين، فيما لم يختر سوى مرشح واحد من تيار الإصلاحيين، ليخوضوا السباق الرئاسي نهاية الشهر الجاري.

وقد دفع ذلك أيضاً اتجاهات عديدة إلى ترجيح أن تكون انتخابات الرئاسة القادمة شبيهة إلى حد كبير بانتخابات عام 2021، حين قام النظام بـ”هندسة” الانتخابات لتعزيز فرص إبراهيم رئيسي للوصول إلى منصب الرئيس.

فقد وافق المجلس على أهلية كل من: محمد باقر قاليباف رئيس البرلمان الحالي، والذي انسحب من الانتخابات الرئاسية في 2017 بعد ترشح الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، وسعيد جليلي كبير المفاوضين السابق في الملف النووي خلال حكومة أحمدي نجاد وممثل المرشد في المجلس الأعلى للأمن القومي، وعلي رضا زاكاني رئيس بلدية طهران ومساعد الرئيس الراحل رئيسي، وأمير حسين قاضي زاده مساعد الرئيس الراحل رئيسي ورئيس مؤسسة الشهيد، ومصطفى بور محمدي رجل الدين المحافظ ووزير الداخلية الأسبق ورئيس هيئة أمناء مركز توثيق الثورة وأمين عام جبهة رجال الدين المناضلين، ومسعود بزشكيان وزير الصحة الأسبق والبرلماني الذي يمثل التيار الإصلاحي بين المرشحين الستة.

وبالنظر إلى تلك القائمة، يمكن قراءة ملامح المشهد السياسي الحالي في إيران على النحو التالي:

1- سيطرة الأصوليين: يشير حرص النظام على عدم توسيع هامش المنافسة بين المرشحين من كل التيارات إلى أنه لا يريد إجراء تغييرات في السياسة التي تتبناها الدولة في الفترة القادمة على المستويين الداخلي والخارجي، حيث يرى النظام أن ذلك لن يكون في صالح البلاد في ظل التصعيد الحالي الذي طرأ على الساحة الإقليمية والذي وصل إلى مرحلة المواجهة العسكرية المباشرة مع إسرائيل.

فبعد وفاة رئيسي، لازالت الكثير من الملفات مفتوحة، ويبدو أن هناك اتجاهاً في النظام يرى أن التراجع عن المسار الذي كانت تتبناه حكومة رئيسي قد يفرض تداعيات سلبية، على نحو يستوجب ضرورة المضي قدماً في تبني هذه السياسات مجدداً، وهو ما سيكون له دور، على الأرجح، في ترجيح أي من المرشحين ستكون لديه القدرة على تنفيذ ذلك.

ويتبنى سعيد جليلي، الذي يعرف برفضه القاطع للاتفاق النووي، نهجاً قريباً من ذلك الذي كان يتبعه إبراهيم رئيسي، ما يعزز من فرص فوزه. كما يمتلك قاليباف فرصاً غير مسبوقة في الانتخابات الرئاسية، نظراً لشبكة العلاقات التي يؤسسها على مستوى مؤسسات النظام، فضلاً عن سابق نجاحه في الاحتفاظ بمنصبه كرئيس لمجلس الشورى في دورته الجديدة.  

ويعد كل من جليلي وقاليباف المرشحان الأقوى لدى التيار الأصولي، إلا أن ترشح خمسة شخصيات قد يفرض تحدياً انتخابياً للتيار، حيث يمكن أن يؤدي إلى تقسيم أصوات الناخبين، وهو ما سيمثل فرصة للمرشح الإصلاحي الوحيد. لذا من المرجح أن ينسحب بعض المرشحين الأصوليين من الانتخابات لمنع تفتيت الأصوات.

2- مخاطرة إصلاحية: أراد النظام إضعاف موقف المعسكر الإصلاحي ليس فقط باختياره شخصاً واحداً فقط ممن تقدموا للترشيح، ولكن أيضاً لكون هذا الاختيار قد وقع على المرشح الأقل تأثيراً من بين المتقدمين حسب بعض الاتجاهات الإصلاحية. فقد تم رفض كل من علي لاريجاني رئيس البرلمان السابق، والذي كان حتى عهد قريب، شخصاً مقرباً من المرشد علي خامنئي، وإسحاق جهانغيري النائب الأول للرئيس الإيراني السابق حسن روحاني. ومن المعروف أن تلك الشخصيات كانت ستغير المعادلة الانتخابية حال تم اختيارها من قبل مجلس صيانة الدستور لما يتمتعون به من شعبية جماهيرية.

وبالرغم مما سبق، فبالمقارنة مع المعسكر المتشدد، يبدو أن المعسكر الإصلاحي المعتدل متحد نسبياً. وقد أعربت كوادر متعددة في المعسكر الإصلاحي عن دعمها للمرشح مسعود بزشكيان في الانتخابات الرئاسية المقبلة. كما أن جميع هؤلاء المستبعدين وأنصارهم سوف يقدمون الدعم لبزشكيان، لأنه سيكون في مقابل الأطراف التي يتهم مجلس صيانة الدستور بدعمها. وقد يركز الإصلاحيون على الانقسامات الأيديولوجية بين المرشحين الخمسة الآخرين، مما يمكن أن يؤدي في النهاية إلى تقسيم أصوات الناخبين المؤيدين لهم، مقابل توحيد الأصوات للمرشح الإصلاحي الوحيد.

لذا يكثف التيار الأصولي في الفترة الحالية من الهجمات التي يشنها ضد بزشكيان، حيث يتهمه بالتخطيط للفتنة والفوضى، كما يتهمه بدعم الاحتجاجات عام 2021. ويُتهم بزشكيان أيضاً بأنه ممن يتعاطفون مع “الانفصاليين” في محافظات كردستان وأذربيجان الشرقية والغربية، خاصة أنه ينتمي إلى القومية الآذرية، وهي اتهامات ينفيها المرشح الإصلاحي بشكل صريح، حيث يؤكد دوماً ولاءه لإيران ونظام الجمهورية الإسلامية.

3- جدل حول نسبة المشاركة: واجه النظام اتهامات خلال الانتخابات الرئاسية التي أجريت في عام 2021 باتباع سياسة إقصائية، على نحو دفع اتجاهات عديدة إلى ترجيح أن النظام بات يرى أن انخفاض نسبة المشاركة يجعل من السهل تعزيز فرص المرشحين الأكثر ولاءاً له. ومن هنا، فإذا كانت عمليات التدقيق الصارمة في عام 2021 قد أسفرت عن فوز رئيسي، إلا أنها أنتجت نسبة إقبال منخفضة بشكل قياسي بلغت 45% مقارنة بمشاركة 73% في انتخابات عام 2013 التي فاز بها الرئيس الأسبق حسن روحاني.

كما شهدت الانتخابات التشريعية التي أجريت في أول مارس 2024، أدنى مشاركة شعبية، حيث بلغت نسبة المشاركة فيها 41% على مستوى البلاد، مسجلة تراجعاً بنسبة أكثر من 1.5% مقارنة مع الانتخابات السابقة عام 2020، وهى أدنى نسبة مشاركة تسجل فى تاريخ الجمهورية الإسلامية، على نحو تم تفسيره في ضوء عمليات الاستبعاد الواسعة للمرشحين الإصلاحيين والمعتدلين من قبل مجلس صيانة الدستور.

لذا، يرى بعض المراقبين أن السماح لبزشكيان بتجاوز “مقصلة” مجلس صيانة الدستور كان نتيجة حسابات دقيقة من جانب النظام، بهدف إضفاء طابع تنافسي على الانتخابات الرئاسية القادمة ورفع مستوى المشاركة الشعبية فيها. ويستند هؤلاء في ذلك إلى أن بزشكيان بجانب كونه من التيار الإصلاحي الذي يلقى قبولاً بين طبقة الشباب، فإنه ينتمي أيضاً إلى منطقة شمال غرب إيران، التي تقطنها القومية الآذرية، على نحو قد يمنحه مزيداً من الأصوات، وربما يؤدي إلى انتقال الانتخابات إلى جولة إعادة بين بزشكيان وأحد مرشحي تيار الأصوليين.

ملفات عديدة في انتظار الرئيس الجديد

ربما تواجه إيران استحقاقات عديدة على المستويات المختلفة خلال الفترة القادمة، وهو ما سوف يكون للرئيس الجديد دور في تحديد آليات التعامل معها، ويتمثل أبرزها في:

1- خلافة المرشد: يتزايد النقاش داخل إيران حول هوية المرشد القادم بعد غياب المرشد الحالي علي خامنئي عن المشهد. فقد كان الرئيس السابق إبراهيم رئيسي هو أحد المرشحين المحتملين للمنصب، وبوفاته بات واضحاً أن النظام سوف يعيد النظر مجدداً في هذا الملف، حيث من المنتظر أن تعاد مراجعة قائمة المرشحين المحتملين، التي تضم شخصيات عديدة مثل مجتبى خامنئي ابن المرشد الأعلى علي خامنئي، وعلي رضا أعرفي رئيس حوزة قم العلمية في إيران وعضو مجلس الخبراء.

2- الأزمة الاقتصادية: تتصاعد حدة الأزمة الاقتصادية التي تواجهها إيران نتيجة استمرار العقوبات الأمريكية المفروضة عليها وفشل الحكومات في تقليص تداعياتها. وتمثل الأزمة الهاجس الأكبر لدى المواطن الإيراني، على نحو كشفت عنه نتائج استطلاع الرأي الذي أجراه “مركز التنمية في جامعة الإمام الصادق” بطهران ونشرته صحيفة “اعتماد”. إذ أوضحت أن أكبر طلب شعبي من رئيس الجمهورية القادم يتمثل في “القضاء على التضخم” و”إنهاء العقوبات الاقتصادية على البلاد”.

3- إدارة الأزمات: يشكل سوء التعامل مع الأزمات التي تتعرض لها إيران محوراً مهماً في التفاعلات التي تجري على الساحة الداخلية، حيث تعرضت حكومة الرئيس رئيسي لانتقادات قوية من جانب نواب مجلس الشورى ووسائل الإعلام، الذين اتهموا بعض وزراءها بعد الكفاءة، وكان لذلك دور في طرح الثقة في بعضهم خلال الفترة الماضية. وجاء حادث سقوط طائرة الرئيس رئيسي ليضفي مزيداً من الزخم على هذا الملف، خاصة أن اتجاهات عديدة اعتبرت أن غياب إدارة الأزمة كان عاملاً رئيسياً في وقوع الحادث.

4- الاتفاق النووي: يواجه الاتفاق النووي اختباراً صعباً في المرحلة القادمة. إذ ما زالت إيران حريصة على مواصلة تخفيض التزاماتها في الاتفاق، على نحو ساهم في تصاعد حدة التوتر في علاقاتها مع القوى الدولية، لا سيما الدول الغربية، التي أيدت قراراً في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 7 يونيو 2024 يدين عدم تعاون إيران مع الوكالة. وبالطبع، فإن صعوبة هذا الاختبار سوف تتزايد في حالة ما إذا وصل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مجدداً في الانتخابات الرئاسية الامريكية التي سوف تجرى في 5 نوفمبر 2024.

5- التصعيد مع إسرائيل: لا يمكن استبعاد أن يتجدد التصعيد العسكري مع إسرائيل مجدداً، خلال المرحلة القادمة، خاصة في ظل السياسة التي تتبناها الأخيرة وتقوم في الأساس على إضعاف البنية التحتية لما يسمى بـ”محور المقاومة” الذي تقوده إيران. ففي الوقت الذي ما زالت إسرائيل مصرة على المضي قدماً في عملياتها العسكرية ضد حركة حماس في قطاع غزة، فقد بدأت في تصعيد حدة الهجمات التي تشنها داخل لبنان لاستهداف مواقع وقيادات حزب الله على نحو لا يمكن معه استبعاد نشوب الحرب بين الطرفين في المرحلة القادمة.

في النهاية، يمكن القول إن النتائج التي سوف تسفر عنها الانتخابات الرئاسية المبكرة سوف تمثل مؤشراً رئيسياً للمسارات التي سوف تتجه إليها إيران خلال المرحلة القادمة، سواء على مستوى التفاعل مع قضايا الداخل، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أو على صعيد الاشتباك مع ملفات الخارج، التي باتت تفرض تهديدات مباشرة لأمنها ومصالحها.

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights