مقالات وأراء

“د علي خليفة” يكتب: أبعاد الصراع العربي الإسرائيلي في إبداع نجيب محفوظ

نجيب محفوظ هو أبو الرواية العربية، ولا غرابة إذا في أن نراه في رواياته يهتم بقضايا الأمة العربية – ومصر على وجه الخصوص -.

د علي خليفة

وقد بدأ”نجيب”كتابته للرواية بكتابة الروايات التاريخية – وهي رواية رادوبيس، ورواية عبث الأقدار، ورواية كفاح طيبة – وعلى الرغم من أن رواياته التاريخية هذه تتناول أحداثا قديمة حدثت في مصر الفرعونية فإن نجيب محفوظ قد وضع في هذه الروايات رموزا تشير لأحداث معاصرة لكتابته هذه الروايات، ومن ثم نرى أن نجيب محفوظ لم يتخل عن نقد الواقع وإشارته لبعض الحوادث الكبرى فيه من خلال تلك الروايات التاريخية.
ونرى نجيب محفوظ في رواياته الواقعية والرمزية يتناول كثيراً من قضايا الأمة العربية، والمجتمع المصري على وجه الخصوص، ويبدي رأيه في كثير من القضايا التي كانت مطروحة في ذاك الوقت الذي كتب فيه رواياته هذه، كما نرى في رواية ثرثرة فوق النيل، ورواية السمان والخريف، والثلاثية، وغيرها.

كما نرى في بعض روايات لنجيب محفوظ عرضا للصراع العربي الإسرائيلي، مع تركيزه على الصراع المصري الإسرائيلي في ذلك الصراع، كما نرى هذا في رواية السمان والخريف، ورواية ثرثرة فوق النيل، ورواية يوم مقتل الزعيم.

هذا عن روايات نجيب محفوظ، وأما عن مسرحياته فإنه لم يكتب إلا ثماني مسرحيات، وكلها مسرحيات قصيرة، ويغلب الغموض وتوظيف الرموز فيها، كما أن حواراتها قصيرة جداً، باستثناء مسرحية مشروع للمناقشة.

وقد تعرض نجيب محفوظ لقضية الصراع العربي الإسرائيلي في مسرحية واحدة؛ هي مسرحية “يميت ويحيي”، وقد كتب نجيب محفوظ هذه المسرحية بعد نكسة حرب ٦٧، وقبل حرب ٦ أكتوبر المجيدة، ونرى نجيب محفوظ يشير في هذه المسرحية عن طريق الرمز للصراع العربي الإسرائيلي، ويدعو العرب – والمصريين خاصة – لإستنهاض الهمم، وبث روح الإيمان والشجاعة لمواجهة ذلك العدو المتباهي بقوته، وقوة أنصاره، وينهي نجيب محفوظ هذه المسرحية نهاية تدعو للتفاؤل، وتوحي بتحقق النصر على ذلك العدو المتغطرس وعلى أعوانه الذين كان يتباهى بوقوفهم معه.
وقد قلت: إن نجيب محفوظ قد أشار في هذه المسرحية للصراع العربي الإسرائيلي عن طريق الرمز فيها، ولأوضح ذلك ألخص هذه المسرحية القصيرة، فنرى في بدايتها شابا أهين من شخص ما، ويشعر هذا الشاب بالألم من هذه الإهانة، وتقترب من هذا الشاب فتاة جميلة، وتدعوه ألا يفكر في أي شيء غيرها، وأن يدفن رأسه في صدرها، ويتناسى العالم كله وما فيه، وتحذر هذه الفتاة – التي ترمز للمتع واللذات – ذلك الشاب من أن يحاول صراع ذلك الشخص الذي أهانه؛ لأنه – في رأيها – أقوى منه، ولديه أيضا أنصار أقوياء سيساندونه عند تعرضه لأي خطر.
ويشعر هذا الشاب بالحيرة فيما يجب عليه أن يفعله؛ هل يستمع لكلام هذه الفتاة، وينصرف للمتع واللذات معها وينسى ثأره في مصارعة من أهانه وتعدى على كرامته، أو يصارع ذلك الشخص، ولا يفكر في شيء غير ذلك، مهما تكن نتيجة صراعه معه؟
وبينما هذا الشاب مشغول الفكر في هذا الأمر يظهر له شخص يشبه العملاق في كبر حجمه، ويبدو قويا جدا، ويعرض هذا الشخص العملاق على هذا الشاب مساعدته في أن يكون نصيرا له في مواجهة أعدائه نظير أن يشاركه في تلك الفتاة، وأن يساعده في طعامه، ثم يقول له ذلك الشخص العملاق في ذلك الموقف: إنه لن يستطيع أن بقف بجواره إذا دخل في صراع مع ذلك الشخص الذي سبق وتعدى عليه؛ لأنه قريب له من ناحية أمه، ويقول له أيضا: لكنه يستطيع أن يمد جسور السلام بينهما، وذلك السلام يعني التغافل عن أي حقوق لهذا الشاب عند ذلك الشخص الذي أهانه في الماضي واعتدى عليه.
ويزيد حديث ذلك الشخص العملاق من حيرة ذلك الشاب، ويتصادف أنه خلال حيرته في ذلك الموقف يمر به شحاذ عجوز، فيعرف منه ذلك أنه كان يعيش في دار لرعاية أمثاله من كبار السن الفقراء، وأنه كان يشعر أن حريته مقيدة فيها، فتركها بما فيها من راحة شكلية في سبيل حريته وكرامته، وصار متسولاً متنقلاً بهذا الشكل، وهنا يقرر ذلك الشاب أن يواجه ذلك الشخص الذي سبق وإعتدى عليه وأهانه، وإلا يستمع لنداء تلك الفتاة للإنغماس في المتع معها ونسبان أي شيء آخر، كما لا يفكر في ذلك العملاق الذي يمكن أن يناصر ذلك الشخص الذي اعتدى عليه وأهانه عند مصارعته له.
وبالفعل يصارع ذلك الشاب ذلك الشخص الذي سبق وإعتدى عليه وأهانه، ويتلقى منه بضع ضربات، ويفاجأ ذلك الشاب بأن بعض أرواح أجداده تبعث له من مصطبة تشبه المقبرة، وتعينه في ذلك الكفاح المفروض عليه ضد ذلك المعتدي ومن يقف إلى جواره…

إن مسرحية “يميت ويحي” على مستوى الرمز القريب تشير لصراع العرب – ومصر على وجه الخصوص – مع العدو الصهيوني الذي أهان العرب وسلب بعض أرضها في حربي ٤٨ و٦٧، ويرى المؤلف فيها أنه لا بديل أمام العرب من خيار مواجهة ذلك العدو لاسترداد الكرامة والأرض، وهذا ما تم بالفعل في حرب ٦ أكتوبر المجيدة.
والمستوى البعيد للرمز في هذه المسرحية هو أن المؤلف يدعو فيها لمواجهة كل معتد متباه بقوته، وبأنصاره الذين يظنهم لا يهزمون أبدا.

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights