أخبار عربية ودولية
حقيقة وجود قاعدة عسكرية أمريكية في تونس
عاد جدل الحديث عن وجود قاعدة عسكرية أمريكية على التراب التونسي ليطفو على سطح الأحداث في البلاد، بعد سؤال وجهه برلماني إلى وزير الدفاع عماد مميش بشأنها.
وخلال جلسة مساءلة له في البرلمان، الأسبوع الماضي، نفى وزير الدفاع التونسي بشكل قاطع صحة ما يتداول بشأن وجود قواعد عسكرية أجنبية في البلاد.
وقال مميش: “هذا الكلام خيالي وليس له أساس في ظل حرص رئيس الجمهورية قيس سعيد على سيادة البلاد”، مشيرًا إلى أنه “لا يمكن التفاعل مع القيل والقال”.
وهذه ليست المرة الأولى التي يثار فيها الجدل بشأن هذا الموضوع، حيث سبق أن تحدثت أوساط تونسية عن قرائن تثبت وجود هذه القاعدة دون أن يتم الكشف عنها.
واستندت بعض التخمينات إلى اتفاقية التعاون التي وقعها المستشار السابق للرئيس الراحل، الباجي قائد السبسي، محسن مرزوق مع وزير الخارجية الأمريكية السابق جون كيري في مايو/أيار 2015، وقيل حينها إنها تمنح الولايات المتحدة الحق بإقامة قواعد عسكرية على الأراضي التونسية، بينما قال مرزوق إنها لا تتعدى كونها تعاونا أمنيا واقتصاديا.
وفي مايو 2020، أكدت القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا “أفريكوم” أنها تدرس مع تونس إرساء لواء للمساعدة الأمنية إلى تونس بغرض التدريب، قبل أن تنشر بيانا توضيحيا أكدت فيه أنها ستكتفي بإرسال “وحدات تدريب” إلى تونس ولن تكون لها خطط لمهام قتالية.
وقبل ذلك نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية في مارس/ آذار 2019، مقالا تحت عنوان “القوات العسكرية الأمريكية والتونسية تقاتل معا: لا نسألهم عن الأمر”.
وكشفت الصحيفة عن تفاصيل عملية عسكرية نفذها الجيش التونسي بقيادة المارينز الأمريكي في فبراير 2017، ضد تنظيم القاعدة غربي تونس، وقالت إنها “ضلت سرية لسنتين بسبب حساسية الحديث عن قواعد أجنبية في البلاد”.
وقال الدبلوماسي السابق عبد الله العبيدي إن “القاعدة العسكرية الأمريكية موجودة بالفعل، وأن الولايات المتحدة تحاول من خلالها فرض وصايتها على تونس”.
وفي الإطار، قال العبيدي إن الجدل المتكرر بشأن هذه القاعدة يعود إلى عدم نشر فحوى الاتفاقية التي وقّعها مستشار الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي “محسن مرزوق” مع وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري.
وأضاف العبيدي: “الأمر الوحيد الذي نعرفه عن هذه الاتفاقية المشبوهة هو عنوانها والذي يقر بأن تونس هي الحليف الاستراتيجي خارج حلف الناتو، وهو ما يوحي بأن الاتفاقية عسكرية”.
ويرى العبيدي أن القاعدة العسكرية لا تحمل بالضرورة لافتة وعلما أمريكيا، ويمكن أن تكون تونسية ولكنها تخضع للقيادة الأمريكية، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة تخوض تدريبات مشتركة مع تونس.
وتحدثت وسائل إعلام أمريكية، في وقت سابق، عن وجود قاعدة استطلاع جوية أمريكية في القاعدة العسكرية سيدي أحمد في محافظة بنزرت (شمالي البلاد) تضم طائرات استطلاع دون طيار.
وقال العبيدي إن الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي اعترف بنفسه أن واشنطن تدرب الجنود التونسيين على استعمال المسيرات.
غير أن العميد المتقاعد من الجيش الوطني والرئيس السابق للجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب “مختار بن نصر” يؤكد أن كل ما يتم تداوله بشأن القواعد العسكرية الأجنبية لا أساس له من الصحة.
وقال لـ “سبوتنيك”: “القواعد العسكرية ليست بالأمر الهين لدرجة أنه يمكن إخفاؤها والتستر عليها، وهي تخضع لاتفاقيات تطلع عليها الحكومة والشعب”.
ويرى بن نصر أن المصادر التي تروج لوجود هذه القاعدة هي أطراف تجهل العمل الأمني والعسكري وتنساق وراء الإشاعات.
ولفت إلى أن وزارة الدفاع التونسية كذبت هذا الأمر منذ الثورة من خلال متحدثها الرسمي، ثم وزير الدفاع في أكثر من مناسبة، آخرها جلسة الاستماع لوزير الدفاع في البرلمان.
وأضاف: “يمكن لأي شخص أن يطلع على عدد القواعد العسكرية في العالم وأماكن تموقعها، فهي عبارة عن ثكنة عسكرية يتم إنشاؤها على منطقة ترابية واسعة وتضم جنودا وأعلاما وأساطيل الدولة التابعة لها”.
وحول الاتفاقية التي وقعها مرزوق في 2015، مع الجانب الأمريكي، قال بن نصر إن الجدل المثار حولها لا يتعلق بمضامينها وإنما بالصفة التي يمتلكها مرزوق، حيث أن الاتفاقيات من هذا النوع يوقعها عادة رئيس الدولة أو وزير الخارجية أو الدفاع.
وتابع: “إذا لم تنشر الدولة التونسية هذه الاتفاقية ولم تعلن عن فحواها، فهذا يعني أنها لا تلزم البلاد التونسية”، مشيرًا إلى أن تونس لم تخفِ عن شعبها مسألة اقتراحها كحليف استراتيجي خارج الناتو في إطار التصدي لظاهرة الإرهاب.
وأكد بن نصر أن تونس وقّعت العديد من اتفاقيات التعاون العسكري مع العديد من البلدان ليس فقط مع الولايات المتحدة وهي تعرض على البرلمان ويتم إعلام الشعب التونسي بها.
وفي تصريح لـ “سبوتنيك”، قال الخبير الأمني والضابط السابق في الحرس الوطني علي الزرمديني، إن تونس تحتل موقعا استراتيجيا هاما وهي تتواجد بين مضيقين هامين (صقيلية وجالطة) على مستوى البحر الأبيض المتوسط.
ولفت الزرمديني إلى أن هذا الموقع يجعل منها مطمعا لكل القوى الإقليمية والدولية لإقامة تعاون عسكري وحتى إقامة قواعد عسكرية فيها.
واستطرد: “لكن أؤكد أن السلطات التونسية منذ عهد بورقيبة إلى اليوم لم تمتلك أي نية لتسهيل إنشاء قاعدة عسكرية لأي دولة كانت، لأن هذه المسألة مرفوضة شعبيا بشكل قاطع وتعتبر شكلا من أشكال الاستعمار”.
وأكد الزرمديني أن بعض الأطراف السياسية حاولت إقناع الرئيس التونسي السابق بإنشاء قاعدة عسكرية أمريكية على الأراضي التونسية، ولكن مطلبها جوبه بالرفض.
وأشار إلى أن ما نشره “الأفريكوم” سنة 2020، لا يخفي مسائل مشبوهة، موضحًا أن تونس تسمح بالتعاون العسكري مع دول عدة وذلك ضمن اتفاقات تعاون توقعها وزارة الدفاع.
وختم بأن هذه الاتفاقات معمول بها في كل دول العالم، وأنها لا تقتصر على الولايات المتحدة وإنما تشمل أيضا فرنسا وإيطاليا وحتى دول شرقية على غرار روسيا والصين، وشدد على أن السياسة الدفاعية التونسية ترتكز على التعاون وليس على الانتماء.