” أحمد إبراهيم” يكتب: “تجربة محافظ” و”الحشاشين” .. وقشر اللوز ..!!
مع كلمات وإهداء رقيق من اللواء الدكتور سمير فرج المقاتل والسياسي والمفكر الاستراتيجي، علي رائعته الإبداعية ووثيقته التاريخية الهامة “سبع سنوات في طيبة – تجربة محافظ” عشت بضع ساعات من أجمل وأهم ما قرأت وطالعت من أدب السيرة الذاتية …
تجربة محافظ
وحقيقة تجربة الدكتور سمير فرج وسيرته تتخطي حدود السرد والبوح الذاتي إلي التوثيق العلمي للحظات هامة وحية تمت بأرض الواقع لرجل أفني عمره في خدمة الوطن والعمل العام، وعن بقعة أخاذة ساحرة من أرض الوطن هي مدينة الأقصر أو طيبة القديمة..
هذه اللحظات التي أَهَدي تفاصيلها لشباب مصر الواعد لتكون لهم شاهدة علي إمكانية تحقيق المستحيل ونبراساً لأهمية التخطيط العلمي السليم مع المتابعة الفعالة لتحقيق الهدف ..
وبعيداً عن إعجابي الشديد بمؤلف السيرة وشخصيته، إلا أن هذه التجربة وهذا العمل الإبداعي، الذي خطه بيده يتمتع بعوامل عدة تحقق الإمتاع والمصداقية والتثقيف والتطور الفكري؛ بداية من سلاسة اللغة والتتابع المرن لمحطات وأحداث هذه السيرة السياسية والتنموية له ولمواطني مدينة الأقصر، إضافة لاهتمامه بتدقيق وتوثيق كل إنجاز تحقق علي الأرض مستخدماً الرسوم البيانية والصور الجوية والخرائط المساحية والبرامج الإنمائية للمؤسسات الدولية والدراسات والأبحاث العلمية للجامعات المصرية، إضافة لرسوم كاريكاتير نشرت بالصحف المصرية ..
وإن كان ما قام به وقدمه اللواء سمير فرج لمدينة ومحافظة الأقصر ليس بجديد علىّ، فهو رجل تمتلئ حياتة بنقلات وتحولات محورية بعمر هذا الوطن بداية من كونه مقاتلاً وضابطاً بكل حروب مصر، ثم كونه أحد رجال وقادة غرفة عمليات حرب ونصر أكتوبر المجيد 1973 فتجربة الإقامة والدراسة في عاصمة الضباب لندن ومناظرته العسكرية الدولة الهامة علي قناة الـ BBC للسفاح إسحاق شارون والفوز عليه بحضور لجنة تحكيم من قادة عسكريين ودبلوماسيين إنجليز وغيره من محطات وإنجازات هامة.
الحشاشين
وصراحة دائماً ما أتعجب إن كانت ثورة 25 يناير قد ظلمت هذا الرجل، فلماذا لم تنصفه ثورة الـ 30 من يونيو، فياتري هل من الممكن أن ينصفه صناع الفن والدراما ..!!!
خصوصاً مع ما نشاهده الآن من زخم في صناعة أعمال درامية كبري عن شخصيات تركت بصمة في تاريخ الإنسانية، بعضها أصابه التوفيق وبعضها لم يكن بنفس القيمة والأهمية كمسلسل الحشاشين الذي يقف وراءه صناع كبار في عالم الفن والدراما، وإن كنت أتساءل؛ ما أهمية صناعة عمل درامي عن سفاح قاتل وأحد أهم عرابي الدم في تاريخنا العربي والإسلامي، وما الفائدة والسنة الحسنة التي يهدف تسويقها صناع هذا العمل وتصديرها للأجيال الحالية والقادمة ..؟؟
وبعيداً عن كل ما أثير من جدال فني درامي أو توثقيّ تاريخي أو حتي مادي إنتاجي، لماذا لم يَكتب أديب نوبل نجيب محفوظ مثلاً عن الحشاشين أو حتي واحداً من عُمد وأساتذة الدراما التاريخية كيسري الجندي أو محفوظ عبد الرحمن أو بهاء الدين إبراهيم صاحب مسلسل أسماء بنت أبي بكر وإمام الدعاة، أكان كل هؤلاء أقل ثقافة ووعياً وحرفة من كتاب الدراما الحاليين ..!! بكل تأكيد لا، بل كانوا هم الأقدر علي فهم طبيعة وخطورة ما يقدمونه من فن ودراما للناس …!!!
قشر اللوز
وبعيداً عن الجمل الكلاشيهية المكررة – بأن دور الفن تقديم ما هو مميز يفيد الناس، من أحداثٍ وشخصيات مؤثرة نقتبس منها الاقتداء والهداية، لدفع وتحفيز الجماهير للعمل والابتكار والإبداع إلي آخره .. – فإن أغلب كتاب الدراما وتحديداً التلفزيونية في مصر لديهم عطب في عصب الخيال، وقِصر نفس برئة ابتكار وتجدد المواقف والأحداث، فما أن تبدأ بالانسجام مع مسلسل والاستمتاع به، إلا وفجأة ودون مبررات تجده انحرف شمالاً ليصبح أكلشيهاً مكرراً من فيلم سبعيني أو ثمانيني كالكيف أو المشبوه أو سلام يا صاحبي وغيرهم، في ظاهرة غريبة تدل علي ضعف قوي بعض المؤلفين الإبداعية وقلة خبرتهم وعدم إلمامهم بقدرات وثقافات وخبرات الجماهير البصرية والدرامية، التي كونت عبر آلاف السنين من تراث طويل من الحكي والسرد القصصي، فنحن شعب حكاء يعتنق ثقافة البوح والثرثرة، ولتجعلك تتحسر آلاف المرات علي كُتاب ومبدعين كأسامة أنور عكاشة ويسري الجندي ومحفوظ عبد الرحمن ووحيد حامد بأعمالهم الشيقة القيمة والفريدة المؤثرة، ويجعلك تكرر السؤال العقيم ألف مرة .. ألا يوجد حواديت وحكايات وشخصيات نتحدث عنها في بلادنا التي تمتلئ بوادى وبحور وقصور وموانى وفكر وصلاة .. كما وصفها الشاعر الراحل سيد حجاب، أم أن المسألة مجرد استرزاق لشلة حُسبت علينا مؤلفين وصناع دراما للعب بعقولنا وتسطيح أفكارنا وإلهائنا عن صناعة المستقبل …
وحقيقة حتي وإن كانت المسألة تقف عند حدود الترفيه والتسلية فإنها لا يجب أن تكون بكل هذا القدر من البله والإسفال والاستخفاف بعقول أبناء وطن يمتلئ بعشرات الآلاف من حملة الماجستير والدكتوراة …
ولماذا لا نقدم أعمالاً درامية عن علماء وأطباء أجلاء كزويل ويعقوب وغيرهم من عسكريين وبنائين ورجال أعمال وطنيين كطلعت حرب والعربي رجل الصناعة الشهير، وأيضاً غيرهم من سياسيين ومصرفيين ورجال وسيدات قدموا ما لا يحصي ولا يعد لمجالاتهم وأوطانهم، هو مجرد استسهال وكسل وعجز عن البحث عن الجديد غير مكرر.
خصوصاً وأن ما بين يدينا من تجربة سمير فرج الإنسانية الفريدة تعد وثيقة حية من أرض الواقع، تصلح للتجسيد والتشخيص، بما تتضمنه من معلومات ومهارات وخبرات تتعلق بشخص قادر علي الإنجازات والتحدي والتغلب علي صعوبات قدرية بيئية وحياتية، إضافة لتحديات من شخوص رافضة لفكره وإرادته ..
وهو ما يتناسب ويتلاءم مع عناصر بناء عمل درامي كبير متنوع التيمات والمواقف، يمتلئ بشخصيات مختلفة الأهداف متعارضة الرغبات، هذا إضافة لتسليط الضوء علي قصة صعود شخص ومجتمع بأكمله يتميز ببيئة صعيدية ثرية بالمعتقدات والعادات والتقاليد واللهجة المميزة الجميلة التي يتحدثها أبنائها، إضافة لتكريم رجلاً أنجز وقدم الكثير لوطنه.
ولكننا دائما ما نهوي ونحترف عض الأصابع المحترقة، أو تجسيداً للمثل الألماني القائل .. إن من يكسر بأسنانه قشر اللوز لا يأكل لُبه ..!!
فبدون التدقيق والإختيار الجيد للأعمال الواعية الهادفة سنصنع ألف حسن الصباح، وهنا لن يتحقق لنا خيراً سواء أكانا مشاهدين أو حتي صناع دراما …!!!