أخبار عربية ودولية
مصادرة أصول بنوك غربية في روسيا
لا يزال الصراع بين روسيا والغرب محتدما، ليشهد حلقات من التصعيد المتبادل بين الجانبين، بينما لا تلوح في الأفق بوادر تسوية حقيقية.
وضمن حلقة من حلقات التصعيد، أقرت محكمة في سان بطرسبرغ مصادرة أكثر من 700 مليون يورو من الأصول المملوكة لثلاثة بنوك غربية؛ وهي (يوني كريديت الإيطالي)، و(دويتشه بنك، وكومرتس بنك الألمانيين).
تعتبر هذه الأحكام -التي تأتي في ظل علاقات متوترة بين موسكو والغرب على وقع الحرب في أوكرانيا منذ الرابع والعشرين من شهر فبراير من العام 2022- واحدة من أكبر التحركات ضد المقرضين الغربيين منذ أن دفعت الحرب معظم البنوك الدولية في موسكو إلى سحب أو إنهاء أعمالهم بالبلاد.
ويتزامن ذلك أيضاً مع مطالبة البنك المركزي الأوروبي مقرضي منطقة اليورو الذين لديهم عمليات في روسيا بتسريع خطط خروجهم، بحسب صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية.
-
صادرت المحكمة 463 مليون يورو من الأصول المملوكة لمصرف يوني كريديت الإيطالي (أي ما يعادل حوالي 4.5 بالمئة من أصوله في البلاد).
-
تشمل الأصول المجمدة أسهماً في الشركات التابعة ليوني كريديت في روسيا بالإضافة إلى الأسهم والأموال المملوكة له، وفقاً لقرار المحكمة الصادر بتاريخ 16 مايو.
-
بموجب قرار آخر صدر في نفس التاريخ، صادرت المحكمة 238.6 مليون يورو من أصول دويتشه بنك.
-
كما قضت المحكمة بأن البنك لا يمكنه بيع أعماله في روسيا، وسوف يتطلب الأمر بالفعل موافقة الرئيس فلاديمير بوتين للقيام بذلك.
-
كما قررت المحكمة مصادرة أصول كومرتس بنك.
أسباب القرارات
تعود قرارات المحكمة الروسية إلى مطالبة من RusChemAlliance، وهي شركة تابعة لشركة غازبروم (شركة النفط والغاز الروسية العملاقة التي تحتكر صادرات الغاز عبر خطوط الأنابيب).
-
بدأ النزاع مع البنوك الغربية في أغسطس 2023 عندما لجأت الشركة المذكورة إلى محكمة تحكيم في سان بطرسبرغ مطالبة بالحصول على ضمانات مصرفية بموجب عقد مع شركة الهندسة الألمانية Linde.
-
وRusChemAlliance هي الشركة المشغلة لمصنع معالجة الغاز ومرافق إنتاج الغاز الطبيعي المسال في أوست لوغا بالقرب من سان بطرسبرغ. وكانت في يوليو 2021، قد وقعت عقدًا مع شركة Linde لتصميم وتوريد المعدات وبناء المجمع. وبعد مرور عام، علقت ليندي عملها بسبب عقوبات الاتحاد الأوروبي.
-
قالت الشركة في ملف المحكمة إنها لجأت بعد ذلك إلى البنوك الضامنة، التي رفضت الوفاء بالتزاماتها لأن “الدفع للشركة الروسية يمكن أن ينتهك العقوبات الأوروبية”.
ويشار إلى أن قائمة الجهات الضامنة أيضًا تشمل كلاً من: Bayerische Landesbank وLandesbank Baden-Württemberg، اللذين رفعت عليهما شركة RusChemAlliance أيضًا دعاوى قضائية في محكمة سان بطرسبرغ.
مخالفة للشروط التعاقدية
بدوره، يقول الأستاذ في مدرسة موسكو العليا للاقتصاد، رامي القليوبي إن:
-
الأحكام والقرارات (القضائية) جاءت بموجب دعوات تم رفعها أمام المحاكم بحق أطراف أو شركات أو بنوك تم تجميد أصولها، بسبب مخالفتها الشروط التعاقدية مع مؤسسات روسية.
-
المرحلة الحالية تشهد مُضي روسيا في سياق هذه الخطوات، بعد أن سعت لها أكثر منذ عامين، بهدف توفير مخرج للشركات الأجنبية المنسحبة من السوق الروسية سواء عبر شراء أسهمها أو تأميمها.
وأشار إلى أن تصريحات الخارجية الروسية أخيراً تعكس أن العلاقة بين كل من روسيا وأوروبا لن تعود إلى مستوى الشراكة، وبالتالي يبدو أن روسيا قررت إتخاذ خطوات أكثر حزمًا في مسألة إعادة “توزيع الأملاك” في الداخل، والأصول والأموال، على حد وصفه.
تبعات سلبية
وإلى ذلك، يعتقد الباحث الروسي المتخصص في الشئون الدولية والعلاقات الدبلوماسية، ديمترى بريجع، بأن روسيا قد اتجهت إلى نفس نفس السياسة التي يتبعها الغرب، مشيراً في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى استخدام الغرب لسلاح مصادرة الأصول الروسية، وبما يؤثر بشكل سلبي ليس فقط على الاقتصاد الروسي والأوروبي، وإنما على الاقتصاد الدولي عموماً (..) لا سيما وأن تلك السياسة تزعزع ثقة رجال الأعمال والمستثمرين في الغرب.
ويضيف: “نتيجة لتلك السياسة الغربية اتجهت روسيا إلى نفس الأسلوب من خلال مصادرة أصول غربية لديها من مؤسسات موجودة في روسيا”.
ويوضح أن إجراءات الغرب تعكس أيضًا رغبته في استمرار الحرب وعدم وجود حل سلمي مع روسيا أو حلول دبلوماسية، مؤكدًا أن العقوبات الغربية فشلت في الضغط على الاقتصاد الروسي، والدليل على ذلك نمو الاقتصاد الروسي ، وسلسلة الاتفاقات مع الصين بالإضافة إلى الملفات الاقتصادية مع دول آسيا.
-
ارتفع الناتج المحلي الإجمالي لروسيا بنسبة 5.4 بالمئة على أساس سنوي في الربع الأول، بعد نموه 4.9 بالمئة في الربع الأخير من العام الماضي.
-
وكان الناتج المحلي الإجمالي لروسيا قد انكمش 1.6 بالمئة في الربع الأول من العام الماضي.
-
وتوقعت وزارة الاقتصاد في وقت سابق نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول بنحو 5.4 بالمئة فيما أشارت تقديرات البنك المركزي إلى 4.6 بالمئة.
-
وتوقع محللون في استطلاع لرويترز زيادة 5.3 بالمئة على أساس سنوي.
رد الفعل الروسي
وإلى ذلك، يشير خبير العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور أحمد سيد أحمد إلى أن:
-
مصادرة روسيا لبعض الأصول الغربية لديها يأتي في إطار سياسة رد الفعل والانتقام الروسي تجاه ما قام به الغرب والولايات المتحدة من عمليات تجميد ومصادرة لبعض الأصول الروسية وفي سياق العقوبات الدولية المفروضة على موسكو بعد الحرب في أوكرانيا.
-
ما قام به الغرب يعد انتهاكاً للمواثيق الدولية والقانون الدولي الإنساني الذي يحظر مصادرة أصول دولة أخرى إلا وفقًا لأحكام سواء خاصة من محكمة العدل الدولية أو عن طريق المحاكم الدولية، بالإضافة إلى أنه يتنافى أيضًا مع حرية التجارة الدولية والقوانين التي تراعي أصول هذه الدول باعتبار أنها جزء من سيادتها.
-
لذلك ما قامت به روسيا وإن كان يبدو مخالفاً للقوانين الدولية والعلاقات الدبلوماسية بين الدول والمؤسسات، يأتي في سياق الرد على ما يقوم به الغرب والبدء بمصادرة الأصول الروسية في سياق الحرب بينهما والعقوبات التي تندرج ضمن الدعم الغربي لأوكرانيا في محاربة روسيا وفرض عقوبات غير مسبوقة على روسيا، ومصادرة الأصول والأموال الروسية في البنوك الغربية.