هل فكرت يوماً وأنت تشترى التوت من السوبر ماركت أو من الشاب الذى يبيعه فى الشارع على عربية متحركة .. أين تتم زراعته ؟ وما هى أنواعه ؟ وما هو النوع الأكثر انتشارا ؟ وما هو النوع الذى لا يفضل الفلاحون الذين يقومون أنفسهم بزراعته تناوله ؟ ولماذا يصل سعر التوت إلى ٢٠٠ جنيه للكيلو الواحد هذا الموسم .. بينما يمكنك شراء من 3 إلى 5 كجم بـ ٥٠ جنيهًا في مكان حصاده ؟ كل هذه الأسئلة سنجيب عليها وأكثر فى هذا التحقيق الذى رصدنا فيه اللؤلؤ وهو يتساقط من الأشجارعلى المفارش البلاستكية البيضاء في قرية صرد (بضم الصاد) التابعة لمركز قطور بمحافظة الغربية.
عندما نقترب من المدخل الرئيسي لقرية صرد التابعة لمركز قطور بمحافظة الغربية نرى جمال الأشجار الشاهقة الكبيرة المليئة بالتوت الملون، وهذه القرية تحتل المركز الأول فى إنتاج وزراعة التوت على مستوى محافظات مصر ويعتبر أهم مصادر الدخل الرئيسية للأهالي هناك، خاصة فى موسم حصاده، ويتجمع مئات التجار من محافظات الوجه البحرى وصعيد مصر لشراء التوت وبيعه.. فهو يعتبر فاكهة الغنى والفقير، ويتواجد خلال شهر ونصف فقط طوال العام، وبمجرد دخولنا للقرية كانت تستقبلنا أشجار التوت المزروعة على طول الطريق وبجانب الترع، والمشهد المعتاد أن تري الشباب فوق الأشجار يحصدون التوت.. والفتيات يقمن بتنقية التوت من على المفارش البلاستيك ووضع كل نوع فى “طشت” منفصل أو كرتونة استعداداً لبيعه فى السوق الموجود أمام الجمعية الزراعية.
حصاد التوت
يقوال الحاج رضوان العيسوي محمد فايد 46 سنة عمدة قرية صرد: أشجار التوت موجودة في القرية منذ سنوات طويلة على حدود الأراضي الزراعية أو الترع أو الطرق أو الفواصل بين الأراضي، وهناك أنواع من أشجار التوت تقوم بطرح الثمار بعد 7 سنوات تقريبا من زراعتها، فنحن البلد الوحيد على مستوى محافظات مصر كلها التى تهتم بزراعة شجرة التوت، وهناك ٣ أنواع من التوت وهي التوت البلدي، ثم بعد ذلك تم استحداث أنواع أخرى هجين وهي الأبيض والأسود والعماني، حيث تكون حبته طويلة بمقدار عقلتين من إصبع اليد، وبعد الحصاد يأخذ المزارع الثمار ويذهب به إلى السوق عند الموقف الجديد أو عند الجمعية الزراعية ليشتريها تجار الجملة ثم يقومون بتوزيعه في السوق القطاعي أو تجار التجزئة أو المصانع لعمل العصائر والمربات، وثمرة التوت مربحة .. فجميع الأصناف يتم زراعتها وجميعها تباع، وكل نوع يوضع في قفص منفصل بمفرده، وتتم زراعته في فصل الربيع .. أي في شهر فبراير إلى مارس، وتسمى عروة الربيع، والشجرة الكبيرة يكون موسم الحصاد بالنسبة لها في موسم الربيع من منتصف شهر أبريل حتى نهاية شهر مايو حسب حالة الجو، وأكثر ما يؤذي ثمرة التوت هي درجة الحرارة الشديدة، فإذا لم يقم المزارع بقطف الثمرة وهز الشجرة لوقوعها من على الأغصان بعد تمام نضجها.. سيقوم الحر الشديد بجفافها ووقوعها على الأرض ومن ثم خسارة للمزارع، فهذه الشجرة تحتاج الى سماد ومياه طوال العام، وتتم طريقة الري فى فصل الصيف كل عشرة أيام وفي الشتاء من 20 إلى 30 يوماً، وموسم الإنتاج تقريبا شهرين .. كما نقوم بتقليم شجرة التوت غالبا في فترة طوبة وأمشير عندما يقع ورق أشجار التوت على الأرض، ويؤثر في جودة المنتج العامل البشري وهو الشخص الذي من المفترض أن يقوم بجمع ثمار التوت في الفجر قبل شروق الشمس أو بعد المغرب، ويذهب به إلى السوق مباشرة لبيعه حتى لا يتلف من الحر الشديد.
وعن طريقة البيع فى سوق القرية يقول عمدة القرية: لا يتم بيع التوت بالكيلو في قرية صرد ولكن يباع بـ “الطشت” الذي يزن من 3 إلى ٥ كجم بـ50 جنيهاً تقريبا للتاجر الذي يقوم بتوزيعه مرة أخرى على تجار التجزئة أو السوبر ماركت أو المصانع أو المتجولين على العربات في الشوارع، وطريقة حصاده بسيطة.. كل فرد يقوم بهز شجر التوت بنفسه لأنها تقع في أرضه أو أمام منزله، ويساعده في ذلك أولاده وزوجته، وفي خلال ساعتين ينتهي كل شيء، ويتم فرد “مفرش” أو مشمع أو مجموعة من الشكاير تحت الشجرة على شكل دائرة، وهذا المفرش خاص بجمع التوت فقط، ويصعد الرجل إلى الشجرة ثم يقوم بهز فروع الشجرة تدريجيا واحدا تلو الآخر حتى تتساقط حبات الثمار الطازجة، ثم تقوم السيدات بجمعها وتنقيتها وتنظيفها ثم وضعها في الطشت، ويقوم رب الأسرة أو السيدات بالذهاب إلى السوق من الساعة 6 صباحا لبيعه للتجار بعد تنظيفه من الحشائش والأعشاب التي قد تتساقط من الأشجار.
تجولنا بين أشجار التوت وتحدثنا مع أحد الشباب الذى تابعناه وهو واقف أعلى الشجرة ويقوم بهز أغصان الشجرة، يقول: أستغرق ساعة تقريباً للقيام بهذه المهمة يوميا لجمع الثمار الطازجة، والجميع ينتظر موسم حصاد التوت كل عام لأنه يجمع أهالى القرية فى وقت واحد وينتشر الخير والبركة فى البيوت ويزيد الرزق، وتقوم شقيقاتى بتنقيته جيدا من العشب والشوائب واذهب الى السوق لبيعه للتجار وللمواطنين العاديين الذين يأتون الينا كل عام للاستمتاع بهذه المشاهد وأكله طازجا فور نزوله من على الشجر .
وعن زراعة أشجار التوت، يقول المهندس صلاح سعيد بدير حسان مدير الجمعية الزراعية بقرية صرد: التوت هو جنس نباتي يتبع الفصيلة التوتية من رتبة الورديات، وتعتبر أوراقه الغذاء الوحيد والأساسي لديدان الحرير التوتية وبالتالي فإن زراعة التوت تعمل على النهوض بتربية ديدان الحرير ولم يعد استخدام أوراق التوت قاصرًا علي ديدان الحرير، حيث تم اكتشاف بعض الخصائص الطبية للتوت، حيث أن له خصائص علاجية من خفض ضغط الدم المرتفع وسكر الدم والكولسترول، وتتم زراعة شجرة التوت، إما بالبذرة أو العقلة، والزراعة بالبذرة يكون بها خلل في الصفات الوراثية للصنف والأفضل هو الزراعة بنظام العقل حيث تعطي ثباتا كبيرا للشجرة، ويتم زراعة العقلة في شهر أمشير وفي الصيف حتى تبدأ عملية التدوير الشكلي ثم يتم زراعتها في الأرض أو تباع كشتلات هكذا، وتستهلك زراعة شجرة التوت مساحة كبيرة حيث نترك 7 م على يمين الشجرة و7 م على يسار الشجرة لأنها شجرة قوية النمو، وفترة الحصاد تمتد ‘لي شهر ونصف في العام كله، فعندما يكون الجو شديد الحرارة تقصر مدة الثمرة منعا للتلف، وجودة الثمرة تختلف من صنف إلى آخر بناءا على الصنف نفسه، وهناك التوت الأبيض والتوت البني المحمر والتوت الأسمر، والأخير يحمل صبغة عالية وليس محبوبا مثل الأبيض، أما العنب البني المحمر فنسبة التسكر فيه عالية عن الأبيض، وتتميز شجرة التوت بالثبات في الإنتاج .
وعن عدد أشجار التوت تقريبا فى القرية يقول: لدينا 1200 شجرة توت قابلة للزيادة، ويكون موسم الحصاد فرحة فى بيوت صرد، زراعة أشجار التوت غير مكلفة على الإطلاق، وفى نفس الوقت إنتاجه كثير وغزير ، فهي ثمرة خالية تماما من رش المبيدات والحشرات ولا تهاجمها إلا حشرة السوسة وهي سهلة المكافحة، لذلك هي ثمرة ناضجة طبيعية بدون أي مبيدات وغير مجهدة ومتعبة للمزارع ، والتوت لا يخزن.. فهو من فصيلة الفراولة حيث يكون عمرهما قصير جدا، وتسويقهما سريع للغاية وسهل التداول بين المزارع والتاجر، لكن بصراحة تسويق التوت يتم بطريقة غير جيدة، فنحن نتعامل مع ثمرة الفراولة “معاملة راقية ” رغم أنها من نفس العائلة والفصيلة لأنها ثمرة حساسة للغاية، فالفراولة فاكهة لها طبيعة خاصة في التسويق وتوضع في أطباق مرصوصة بطريقة جيدة وشكل جذاب للمستهلك، أما التوت فيتم بيعه بالقرطاس أو عبر أكواب .
حصاد التوت
ثم جاء الينا طفل صغير لا يتجاوز 12 عاماً وفى يده أصيص صغير به نبات، وعرفنا ان اسمه محمد عبد التواب، يقول: أنا طالب فى الصف السادس الابتدائى ومن حبى للتوت قمت بزراعته فى هذا الاصيص الذى اقوم بريه كل 10 أيام تقريبا وأضعه أمام البيت لكى أتابع نموه كل يوم قبل ذهابى الى المدرسة .
ثم يلتقط طرف الحديث على بسيونى وهو مدرس تاريخ بأحد المدارس الابتدائية فى القرية: ما لا يعرفه الكثيرون أن شجرة التوت يعود أصلها الى الصين ثم انتقلت بعد ذلك إلى أوربا ثم الى البلدان العربية مثل الأردن وفلسطين ومصر وسوريا، والتوت الأبيض هو الأكثر انتشارا بين أنواعه الأخرى على مستوى العالم .. والتوت الأحمر موطنه الأصلى الولايات المتحدة الأمريكية، والتوت الأسود يعود الى غرب آسيا، ويمكن أن يصل ارتفاع شجرة التوت الأبيض الى 24 متراً والأحمر الى 21 متراً والأسود الى 9 أمتار .
واقتربنا من فتاة تجلس على الأرض وبجوارها “طشت” المونيوم كبير تضع فيه كميات من التوت، تقول: أنا طالبة فى المرحلة الثانوية، وتعودنا منذ الصغر على التجمع يوميا بعد صلاة الفجر لنجلس تحت ظلال الشجر الواقع فى أرضنا لنجمع التوت ونذهب للسوق لبيعه، وينتظر والدى موسم حصاد التوت لشراء احتياجاتنا فى العيد .. فهو وش الخير علينا.