مقالات وأراء

“وائل شفيق” يكتب : “لما الشتا يدق البيبان”

أغنية “لما الشتا يدق البيبان” للفنان “علي الحجار” هي واحدة من روائع الشاعر الكبير “إبراهيم عبد الفتاح”، وتعتبر هذه الأغنية نقلة في تاريخ الشعر الغنائي العامي، وأحد أهم إبداعات جيل الوسط الذي لم يستطع استكمال مشروعه الغنائي للأسف.

الكاتب والشاعر إبراهيم عبد الفتاح
الكاتب والشاعر إبراهيم عبد الفتاح

يفتتح الشاعر أغنيته بلسان عاشق يعاني من الوحدة في ليالي الشتاء الطويلة، فيتذكر محبوبته التي هي وطنه وعشقه الأول، قائلا:

“لما الشتا يدق البيبان 

لما تناديني الذكريات 

لما المطر يغسل شوارعنا القديمة والحارات

القاني جايلك فوق شفايفي بسمتي 

كل الدروب التايهة تنده خطوتي 

كل الليالي اللى ف قمرها قلبي بات 

مش جي ألومك ع اللي فات

ولا جي أصحي الذكريات 

لكني بحتاجلك ساعات

لما الشتا يدق البيبان”

هذا المقطع شديد الرقة والعذوبة يحمل معان رمزية عميقة عن مغترب يعاني من الوحدة، ويفتقد دفء العلاقات في البعد عن محبوبته، وتزداد معاناته في فصل الشتاء بلياليه الطويلة التي تشتعل فيها الذكريات التي ترسم البسمة على وجهه فيحن إلى شوارع بلده التي لا تتوه فيها خطواته حيث مسكنه القديم.

يغلبه الحنين إلى بلده التي أجبرته على الرحيل فيتذكرها بكل خير ويعلن أن الذكرى لا تحمل لوما ولا عتابا، وأن كل ما يحتاجه هو حضن بلده هربا من برد الاغتراب ، وبحثا عن دفء الانتماء . 

“كنا طفولة حب لسه في أوله 

بنضم بإيدينا الحنين وبنوصله 

خريف نادانا والشجر دبلان 

بردانه كنتي وكنت انا بردان 

ضمت قلوبنا بشوق ولهفة نبضها 

لما التقينا الخطوة عرفت أرضها 

أجمل معاني الحب غنتها النايات”

هنا يروي الشاعر بطريقة “الفلاش باك” ذكريات قصة حبه التي نشأت منذ الطفولة وتعمقت مع الزمن ولكنها انتهت على وقع قسوة الظروف التي تشبه صوت النايات الحزين.

تتصوري رغم أننا شايفين طريقنا بينتهي 

تتصوري لا عمري هقدر على الفراق

ولا انتي عمرك تقدري 

لسه حنيني بيندهك رغم البعاد

ولسه زهرة حبنا بتطرح معاد

لكن بيغرق حلمنا في بحر السكات”

هنا يتأكد المعنى الرمزي وتتجلي أعلى مستويات التلقي حين يكشف الشاعر عن سبب ابتعاده أو إبعاده عن حبيبته إنه الغناء/الثورة في زمن السكوت/ الخنوع، هنا يتجدد الأمل في التقاء الحبيبين /الثائر والوطن، حين يطرح الحب موعدا للثورة في كل شتاء كما حدث قبل الأغنية في يناير ١٩٧٧ وبعدها في يناير ٢٠١١. 

تظل هذه الأغنية بالنسبة لي هي أيقونة الحنين والاشتياق التي تتكلم عن الداء وتصف الترياق، ولا عجب في كونها صدرت منذ ثلاثة عقود أو يزيد ولا زالت تحتفظ بمعان متجددة كبركان خامد يتجدد كل عام في فصل الشتاء.

الكاتب الصحفي وائل شفيق
الكاتب الصحفي وائل شفيق
زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights