سينما ومسرح

«رحلة حنظلة»… أداء هزلي يواجه قسوة الواقع

ألعاب الملاهي تشكل فضاءً مسرحياً (المخرج)

بمعالجة جديدة، يتناول فنانون مصريون مسرحية «رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة» للكاتب السوري سعد الله ونّوس، في أداء هزلي أقرب للكوميديا السوداء، لمواجهة الخيارات الصعبة المطروحة أمام الإنسان.

في حين يبدو الواقع مغرقا في قسوته وتتحالف ضدك ظروف سيئة، تصبح أمام أحد خيارين: إما أن تستسلم وتعيش حياتك بشكل سلبي تماما باعتبار أنك ضحية للظروف، وإما أن تنصت إلى صوتك الداخلي الذي يحثك على المقاومة وتهتدي إلى ضوء في نهاية النفق المظلم.

يشكل هذا الصراع الداخلي الفكرة المركزية للعرض المسرحي «رحلة حنظلة» الذي يستضيفه حالياً مسرح «نهاد صليحة» بأكاديمية الفنون بالقاهرة. حظي العمل الذي كتبه ونّوس عام 1978 بمعالجات متنوعة على خشبة المسرح في بلاد عربية كثيرة منها مصر وسوريا ولبنان والعراق وفلسطين واليمن. ورغم اختلاف المعالجات في الرؤية الفنية وزاوية التناول، فإنها اتفقت في معظمها على اختصار الاسم وحذف عبارة «من  الغفلة إلى اليقظة» ليصبح العنوان فقط «رحلة حنظلة».

أداء تمثيلي تميز بالطابع الهزلي

يحكي العمل، وفق النص الأصلي، عن شخصية سلبية غير محددة الجنسية تعيش على الهامش، هي شخصية «حنظلة» الذي يعمل ممثلاً ثانوياً بفرقة مسرحية. ورغم أنه يفضل الابتعاد عن المشكلات ويحرص على تجنب المتاعب ويقضى معظم الوقت في قراءة الكتب وكأنه يهرب من العالم، فإن المصائب تتوالى على رأسه حيث تخونه زوجته، ويجد نفسه متهماً في قضية خطيرة لا يعلم عنها شيئاً. يتمكن «حنظلة» من رشوة أحد القضاة ويخرج من السجن حيث الحرية المفترضة، لكنه يكتشف أن العالم الخارجي لا يقل سوءاً عما تركه وراءه في الزنزانة. يدرك الرجل أن تغيير حياته لن يأتي من الخارج وإنما وفق إرادته الشخصية حين تتغير نظرته إلى العالم وإلى ذاته.

وتضمنت المعالجة المصرية الجديدة التي قدمها أشرف علي بعض التغييرات في الحبكة، أبرزها جعل «حنظلة» موظفا يقطع تذاكر الدخول للرواد بأحد الملاهي، وتغيير أجواء المسرح التي ربما تتسم بالرتابة لألعاب وأضواء وصخب المكان البديل بحثا عن التشويق والإثارة، وهو ما نجح في تنفيذه مخرج العرض مروان محمود، ساعدته في ذلك حيوية الإضاءة التي صممها أحمد طارق، ومكياج وملابس مارينا عادل وموسيقى محمد إبراهيم.

واتسم أداء طاقم التمثيل لا سيما كريم عبده وسيف مرعي وندى جمال بالحيوية والاندماج مع الشخصيات والقدرة على الإمساك بمفاتيحها.

وقال مروان محمود لـ«الشرق الأوسط» إنه عندما قرأ النص الأصلي لأول مرة شعر على الفور بأن حنظلة يشبهه على المستوى الشخصي حين كان لا يزال غير قادر على التعامل مع الواقع، موضحاً أن «فكرة المسرحية الأساسية تتمثل في مواجهة قسوة الواقع بما تتضمنه من مظالم وفساد بالكوميديا السوداء والأداء الهزلي الكاريكاتيري». وأضاف: «حافظنا على روح النص الأصلي لكننا غيّرنا الإطار العام للمكان من المسرح إلى ألعاب مدينة الملاهي بحيث ترمز كل لعبة إلى فكرة تخص رحلة البطل، مثل لعبة (الساقية) التي تشير إلى دوران الشخصية في نفس المكان بشكل عبثي دون هدف أو معنى».

العرض نال جائزة أفضل إضاءة

واستلهم سعد الله ونوس «1941 – 1997» اسم الشخصية الرئيسية في العمل من شخصية «حنظلة» لرسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي «1937 – 1987» التي تجسد صبيا حافي القدمين يدير ظهره للقارئ، ويعقد يديه خلف ظهره، وكثيرا ما أثار هذا الرسم الجدل، فبينما رآه البعض يمثل إدانة صامتة للواقع السياسي في حقب تاريخية مضت، رآه آخرون يجسد حالة من السلبية واليأس والعجز عن الفعل.

وأبدى مخرج العرض سعادته برد الفعل الجماهيري والنقدي، قائلا: «لقد أسعدتني للغاية التعليقات حول العمل وطريقة تلقيه، لا سيما أن هذا هو عملي الإخراجي الأول الذي حصد العديد من الجوائز حين سبق عرضه في أكثر من مهرجان مثل (الإسكندرية الدولي للمسرح) و(قسم مسرح) للمعاهد والأقسام المتخصصة في المسرح ونال (أفضل عرض) و(أفضل نص) و(أفضل إضاءة)».

بوستر العرض

ويعد سعد الله ونّوس أحد أبرز كتاب المسرح العربي في النصف الثاني من القرن العشرين، وتميزت كتاباته بالحس السياسي والتجاوب مع القضايا العربية، ومن أبرز أعماله «مأساة بائع الدبس الفقير» عام 1964، و«حفلة سمر من أجل خمسة» عام 1968، و«مغامرة رأس المملوك جابر» عام 1971، و«الملك هو الملك» عام 1977، و«طقوس الإشارات والتحولات» 1994.

وكان «ونوس» أشار في أحد حواراته إلى أنه كتب «رحلة حنظلة» متأثراً بمسرحية «كيف يتغلب السيد موكينبوت على آلامه» للكاتب الألماني بيتر فايس «1916 – 1982».

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights