سقطت كل الادعاءات، وتجلت الازدواجية في أوضح صورها، وكُشف زيف المنظومة الغربية بقيادة واشنطن، التي ادعت لعقود رعايتها لحقوق الإنسان والحرية والديمقراطية.
لم تكتف المنظومة الغربية بدعم الحرب على قطاع غزة بقيادة واشنطن وقتل الآلاف من النساء والأطفال العزل، بل سعت لتكبيل الأقلام الحرة وترهيب العاملين في المؤسسات الغربية وأصحاب الرأي، إذ وصل الأمر لطرد بعض الصحفيين والإعلاميين وتهديد البعض الآخر، وفق الخبراء.
ضحايا حرية الرأي
ضمن الكثيرين الذين تعرضوا للضرر بسبب مواقفهم تجاه الأزمة في غزة، كانت الممثلة الأمريكية سوزان ساراندون، إذ أكدت مجلة “نيوزويك” إلغاء وكالة المواهب “يو تي إيه” (UTA) تعاقدها مع الممثلة الحاصلة على الأوسكار يوم الثلاثاء في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023.
وقالت حسن، عبر حسابها على إحدى المنصات، إنها مارست الرقابة على نفسها منذ فترة طويلة للحصول على ما أرادت الحصول عليه مهنيا، لكنها فضّلت لاحقا استخدام حقها في حريّة التعبير كونها فلسطينية.
وأضافت الناشطة: “لست على علاقة سيئة مع لوريال، لقد أوضحوا لي أنهم كانوا تحت الضغط وأنهم كانوا حريصين على عدم اتخاذ موقف.. علينا أن نناقش الأمر مرة أخرى في فبراير”.
الموقف ذاته تعرضت له الفنانة الفلسطينية صفاء حتحوت، المقيمة في مدينة عكا، مما أدى إلى فصلها من عملها السابق، بسبب تأييدها للقضية.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل طال الترهيب المئات في مؤسسات مختلفة حول العالم، إذ وجهت تحذيرات بأن مساندة القضية الفلسطينية تلحق بمؤيدها تهمة تأييد الإرهاب، وفق الخبراء.
في البداية، يقول عزيز هناوي، الكاتب العام لمجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين في المغرب، إن ما تمارسه المؤسسات الغربية في هذا الإطار يعني السقوط النهائي لمنظومة البروبغندا الغربية القائمة على ادعاء الريادة الأخلاقية العالمية في مجالات حقوق الإنسان وحرية التعبير والصحافة.
وأن طمثل هذه الإجراءات وتنصيب المؤسسات الغربية كشرطي عالمي لتنقيط وتقييم باقي الشعوب والدول في مجال حريات التعبير عبر تقارير دورية، وحتى عقوبات وملاحقات قانونية ومالية ودبلوماسية وحملات شيطنة، بات مفضوحا بشكل علني”.
ويرى الكاتب أن تطورات الأوضاع الأمنية في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي غزة خاصة، جعلت منظومة الغرب تكشف عن حقيقتها اللاديموقراطية والمنافقة في مواضيع حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
وتابع هناوي: “المنظومة الغربية لم تكتف بغض الطرف عن الجرائم الإسرائيلية الثابتة والمرصودة على الهواء، بل انتقلت إلى معاقبة كل من عبر أو علق على ما يجري في فلسطين المحتلة بما لا يتناسب مع توجهاتها الموالية للسردية الإسرائيلية”.
ولفت إلى أن الإجراءات التي فرضتها المؤسسات الغربية، بقدر ما جعلت بعض النخب الإعلامية والثقافية والسياسية في الغرب تكتفي بالصمت، أو في أفضل الأحوال التعبير عن “القلق” من الأوضاع في فلسطين، فإنها جعلت نخبا أخرى تخرج من سجن الترهيب والمضايقة والتهديد في المصالح والسمعة، وانطلقت لتعبر بكل موضوعية وحرية عن إدانتها للجرائم التي ترتكبها آلة الحرب الإسرائيلية.
خروج عن الخط الغربي
ولفت هناوي إلى أن خروج بعض النخب عن الخط الذي وضعته تلك المؤسسات، دفعها إلى آلية الطرد والتهديد وحملات التشويه بحق تلك النخب الحرة.
ويرى الكاتب أن آثار الوقائع المتمثلة في طرد الموظفين في العديد من المؤسسات، تتمثل في كشف مدى انحياز المنظومة المؤسساتية الغربية وازدواجية معاييرها.
وتابع: “فضلا عن فقدانها ما كانت تدعيه من أستاذية عالمية في حقوق الإنسان، مما سيفسح المجال لإعادة بناء منظومة عالمية أكثر موضوعية متعددة الأقطاب وتنافسية في خدمة الحقيقة، وليس تزييفها لخدمة أجندات سياسية وأمنية تضرب عرض الحائط بمعايير الحرية والعدالة”.
في الإطار، قال الكاتب التونسي عبد القادر ساكري، إن “حرب الإبادة والتهجير للشعب الفلسطيني التي انطلقت منذ تولي حكومة “الأبارتيد الصهيوني” المتطرفة بقيادة نتنياهو، بن غفير، سموتريتش، كشفت زيف الادعاءات الغربية الأطلسية حول حقوق الإنسان وحرية التعبير”.
ولفت إلى أنه “منذ انطلاق الفصل الجديد من الصراع بين الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية في غزة والضفة الغربية المحتلة في أكتوبر، وقع التضييق على الصحفيين العاملين في كبريات المؤسسات الإعلامية الغربية من بين الداعمين للقضية الفلسطينية والمنددين بالمجازر المرتكبة ضد الفلسطينيين”.
كما وصل الأمر إلى حد طرد بعض الصحفيين الذين رفضوا الانخراط في الآلية الغربية الداعمة لرواية حكومة نتنياهو حول أحداث 7 أكتوبر والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
ووفق ساكري، فإن عملية التضييق على حرية التعبير أصبحت الوسم الحقيقي للمنظومة الغربية، بعد أن كانت تسمح لنفسها بإعطاء الدروس للدول الحرة المستقلة في قرارها الوطني، كروسيا ودول منظومة “البريكس” غير المنخرطة في الولاء للمعسكر الأطلسي.
زيف المعايير الغربية
وشدد هناوي على “زيف المعايير الغربية في التعامل مع الخبر والتحاليل الصحفية في ما يخص القضية الفلسطينية وازدواجية المواقف الخاصة بالحرب الأطلسية على روسيا في أوكرانيا والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة”.
حصار الأقلام
من ناحيته، قال الطيب بوشيبة، الحقوقي المغربي، إن حصار الأقلام الحرة والعقول الملتزمة كشف زيف الادعاءات وتسليط اللاإنسانية.
و أن ما يتم فرضه من قيود على حرية الرأي والتعبير، يهدف لإخراج الأحرار من حلبة الصراع غير المتكافئ.
وتابع الحقوقي المغربي بقوله: “في عمق الأزمة الإنسانية التي نكابدها بل ويكتبها شرفاء هذا العالم تشتد حاجة التفكير والرصيد والذاكرة القوية، لمعرفة ما يعج به عالمنا اليوم من تسليط اللاإنسانية والحجر على الأفكار والحريات، ومعرفة كيف تمتزج السياسة بالاقتصاد والإعلام، لتولد مضامين تعمل على تشكيل وتسيير كافة جوانب عيشنا المجتمعي”.
وتابع بوشيبة: “قال آلان دونو أستاذ الفلسفة والعلوم السياسية بجامعة كيبيك في كندا، صاحب كتاب “نظام التفاهة”، إن العمل السياسي، يشكل، بما ينطوي عليه من سلطة وخطاب ومال وجماهير، المساحة الخصبة لازدهار نظام التفاهة، وتمثل الديمقراطية، بما تنطوي عليه من مراكمة لكل هذه العناصر، بالضرورة”.
وفي وقت سابق، فصلت وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية، صحفية لديها بداعي انتهاكها سياسات وسائل التواصل الاجتماعي للشركة، الأمر الذي أثار موجة من ردود الأفعال.
وبحسب ما نقلت صحيفة “ذا غادريان” البريطانية، قالت محررة الأخبار، إيملي وايلدر، إنها “فصلت من عملها لانتهاكها سياسات الشركة على وسائل التواصل الاجتماعي في قيمها ومبادئها الإخبارية، في الفترة ما بين 3 مايو/ أيار ويوم الخميس الماضي، وذلك بسبب تغريدة تناصر فيها القضية الفلسطينية”.
وقالت الصحيفة: “تضمنت التغريدات منشورات وايلدر السابقة على فيسبوك، والتي تنتقد فيها الإسرائيليين، بما في ذلك شيلدون أديلسون، الملياردير الراحل مؤيد ترامب”.
وأضافت الصحيفة، إن وسائل الإعلام المحافظة واليمينية نشرت قصصا للصحفية المطرودة، سلطت الضوء على عمل وايلدر السابق.