أخبار عربية ودولية

ضريبة الدولار حل ليبي مثير للجدل لتوفير السيولة

القرار المنفرد لرئيس البرلمان يثير ردود فعل غاضبة كونه غير قانوني ويؤثر على معيشة الناس.

تفجر جدل واسع في ليبيا خاصة على المستوى السياسي بعد قرار أصدره رئيس البرلمان عقيلة صالح بشكل منفرد يتعلق بخفض قيمة الدينار عبر فرض ضريبة على مشتريات العملات الأجنبية لفترة محدودة بغية توفير السيولة النقدية في السوق والتي شهدت شحا فيها مؤخرا.

اخترق رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح أحد الخطوط الحمراء في التعامل مع الأوضاع الاقتصادية والسياسية في البلاد سواء مع البرلمان نفسه أو بالتعاون مع المجلس الأعلى للدولة حينما قرر منفردا فرض ضريبة على الدولار بنحو 27 في المئة.

ويشمل قرار خفض العملة الليبية، التي يتوقع أن يصل سعرها أمام الدولار إلى ما بين 5.95 و6.15 دينار انخفاضا من 4.8 دينار، كل أشكال التعامل بأسعار صرف العملات الأجنبية مع إمكانية تخفيض السعر وفق ظروف إيرادات البلاد.

وكلف صالح محافظ البنك المركزي الصديق الكبير بتنفيذ القرار وتعديل سعر بيع العملات الأجنبية بما يتوافق مع الضريبة الجديدة. وبحسب القرار فإنه “يتم تحديد القيمة المضافة على بيع العملات مقابل الدينار، على أن تتوفر العملة الأجنبية بكل البنوك”.

ويشير أيضا إلى أن الإيرادات المحققة من الرسم الضريبي ستذهب لنفقات مشاريع تنموية إذا دعت الحاجة إلى ذلك أو تضاف إلى الموارد المخصصة لدى المركزي لسداد الدين العام.

وفي أول رد فعل، طالب 29 عضوا بمجلس النواب صالح بسحب القرار. ودعوا إلى عقد جلسة عاجلة لمناقشة الأمر، مشيرين إلى أنه في حال عدم الاستجابة سيلجؤون إلى القضاء لوقف القرار.

وأعرب الأعضاء في بيان مشترك عن أسفهم من القرار الذي وصفوه بـ”المجحف بحق المواطن البسيط، وأنه غير مدروس”. وأكدوا أن القرار تجاوز صلاحيات رئيس مجلس النواب المخولة له بشان اللائحة الداخلية للمجلس، مشددين على أنه لا يمكن فرض ضريبة إلا بقانون.

وأشاروا إلى ما تمثله هذه الخطوة من ضرر على المواطن، دون أن تكون حلا لأيّ مشكلة، بل تشجيعا على المزيد من الصرف خارج القانون وتغطية للنهب الحاصل في مختلف بنود الميزانية.

ووفقا لاتفاق سياسي أبرم في العام 2015، فإن كل القضايا الرئيسية التي تؤثر على الدولة يفترض أن يتفق عليه البرلمان في شرق البلاد مع المجلس الأعلى للدولة ومقره طرابلس.

وقال النائب الأول لرئيس البرلمان فوزي النويري الذي تفاجأ بالخطوة إن القرار “صدر تحت ضغط وتدخلات وإملاءات دول أجنبية عبر سفرائها”، داعيا إلى سحبه أو إلغائه فورا.

وأبدى النويري في بيان مساء الخميس الماضي عن رفضه القرار “الباطل تأسيسا وإصدارا” لتبعاته الخطيرة ونتائجه الكارثية، قائلا إن “تدمير قيمة العملة الرسمية يعني تدمير القوة الشرائية للمواطن وزيادة التضخم المنفلت”.

ورغم الأزمات والفوضى، أنهت ليبيا العام الماضي بمعدل تضخم بلغ 2.4 في المئة، وفق بيانات البنك المركزي، وهو أقل بكثير من المستوى المسجل في باقي الدول العربية بشمال أفريقيا.

ورأى النويري أن صالح تجاهل آراء المختصين الذين طلب مشورتهم، لافتا إلى وجود بدائل اقتصادية أكثر جدوى لحماية العملة دون تحميل المواطنين تبعات فوضى الإنفاق وإعادة تشكيل مجلس إدارة المركزي.

وقال “يجب غلّ يد محافظ المركزي عن التصرف منفردا بالسياسة النقدية وفرض استخدام احتياطيات النقد الأجنبي التي تتجاوز 80 مليار دولار عدا الذهب في تقوية الدينار”.

وتابع أن الكبير “وضع الاحتياطيات في مخابئ مجهولة غير آمنة وذلك جريمة يجب إيقافها ومحاسبة مرتكبيها”، داعيا القضاء الليبي إلى اتخاذ موقف عاجل يحمي ‫ليبيا وشعبها واقتصادها من هذه القرارات العشوائية المدمرة.

وكان الكبير قد طلب من صالح تعديل سعر صرف الدينار أمام العملات الأجنبية، وفرض الضريبة على العملات الأجنبية باستثناء القطاعات التي تموّل من الخزانة العامة ذات الطابع السيادي والخدمي فقط.

وسبق أن قال إن “سعر الصرف الجديد سيكون مطبقا لجميع الأغراض، عدا القطاعات السيادية والخدمية الممولة من الخزانة العامة”.

وأرجع الكبير سبب تعديل سعر الصرف إلى ما يمر به المركزي من صعوبة في توفير احتياجات السوق من النقد الأجنبي منذ شهر سبتمبر الماضي، في ظل تزايد حجم الإنفاق العام وبلوغه مستوى 165 مليار دينار (34.4 مليار دولار) خلال العام 2023.

وإلى جانب ذلك، برّر المحافظ المقترح بوجود إنفاق موازٍ مجهول المصدر وعدم وضوح حجم الإنفاق العام لسنة 2024، خصوصا في ظل بلوغ عرض النقود مستوى 140 مليار دينار (29.2 مليار دولار).

وثمة أرصدة أخرى بالبنك المركزي تابعة للمؤسسة الوطنية للنفط الحكومية بقيمة ملياري دولار وأخرى مخصصة لمشاريع التنمية سيجري تنفيذها هذا العام بالقيمة ذاتها.

ومن المتوقع أن يكون حجم الطلب المقدر على النقد الأجنبي للقطاع العام والخاص في ظل هذه المعطيات نحو 36 مليار دولار بسعر الصرف الحالي منها 8.5 مليار دولار لسد احتياجات استيراد الوقود.

ويشكو النظام المالي الليبي من ثغرات كثيرة يتوجب إصلاحها، مردها تأثيرات الحرب ورفض النافذين أيّ مساع لإعادة بناء قدرات اقتصاد البلد النفطي العضو في أوبك.

ويقول خبراء إنه يحتاج إلى إصلاحات عميقة لتنسجم مع الظروف الراهنة لأن توفير التمويل للشركات والمستثمرين سيحرك خيوطا كثيرة، منها الاستهلاك وتنمية التجارة وتحصيل عوائد إضافية لخزينة الدولة.

واعتبر البرلماني صالح افحيمه قرار صالح مخالفا لمبدأ أساسي في فرض الضرائب في ليبيا وهو أنّ لا ضريبه دون قانون. وقال في تصريح صحفي إنه “إذا ما اعتبرناه تعديلا لسعر الصرف فهذا التعديل ليس من صلاحيات عقيلة صالح، بل من صلاحيات مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي ولا علاقة للسلطة التشريعية بهذا الأمر”.

كما تبرأ عضو مجلس النواب عبدالسلام نصية، من القرار. وشدد على أن “الضريبة تُفرض بقانون والرسم يُفرض من السلطة التنفيذية وبذلك يكون القرار مخالف للتشريعات القانونية المتعارف عليها”.

وأوضح أنه لو تم تنفيذ القرار فإن أسعار السلع والخدمات سترتفع إلى 30 في المئة تقريبا و”هذا إذا استطاع المركزي الدفاع عن السعر الجديد وهو أمر غير متوقع”.

واعتبر أن القرار بمثابة مكافأة للحكومات على التوسع في الإنفاق بل تشجيعها على الاستمرار في ذلك مادام الأمر لا يتطلب إلا رفع قيمة الرسم والمواطن يدفع الثمن.

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights