مقالات وأراء

دكتور “عبدالحليم قنديل” يكتب: عصابة “أبو شباب” سليلة الخيانة ..    

    لم يعد من شئ يخفى فى القصة ، فقد تكفل كيان الاحتلال رسميا بفضح جماعة المدعو “ياسر أبو شباب”، وهى عصابة من مئات المسلحين تعمل فى مناطق سيطرة الاحتلال جنوب شرق “غزة” ، تحدث عنها فى البداية “أفيجدور ليبرمان” رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” ووزير الجيش “الإسرائيلى” الأسبق ، ونعى على حكومة “بنيامين نتنياهو” إقدامها على خطأ فاحش ، قصد به دعمها وتجنيدها وتسليحها لجماعة “أبو شباب” ، وقال أنها ـ أى المجموعة ـ تضم عناصر من “داعش” والسلفية الجهادية ، وأن تسليحها قد يرتد خطرا على “إسرائيل” فى المستقبل ، بعدها لم يكذب “نتنياهو” خبرا ، وأعلن بفخر أنه نجح بالفعل فى تجنيد ما أسماه “حمولت” باللغة العبرية ، أى مجموعات قبلية مساندة وحامية لجنود جيش الاحتلال ، ونعى على “ليبرمان” كشفه لواحد من أسرار الأمن القومى “الإسرائيلى” (!) ، ثم راحت الأغطية تتكشف سريعا ، وظهر “أبو شباب” بنفسه على مواقع التواصل الاجتماعى ووسائل إعلام أمريكية و”إسرائيلية” ، وادعى أنه ليس عميلا لكيان الاحتلال ، وأن جماعته التى أسماها “القوة الشعبية الفلسطينية” لا تتبع السلطة فى “رام الله” ، وأنها تعادى حركة “حماس” وتدير مظاهرات ضدها ، وزعم أنها تحمى قوافل المساعدات ، وتعطى أهل الجماعة منها ، وتمنع المنظمات الخيرية الفلسطينية التابعة لحركة “حماس” من استلام المساعدات ، ولم يخف “أبو شباب” رغم جهالته وأميته الظاهرة فى طريقة حديثة ، أنه يسعى لحكم ما تيسر من أراضى غزة بديلا عن “حماس” ، ونفى عمله لصالح مخابرات دول عربية معادية للمقاومة الفلسطينية ، وإن اعترف بحدوث مواجهات مسلحة مع “حماس” ، قتل فيها العشرات من أنصاره ومسلحيه ، بينهم شقيق “ياسر” نفسه .

   ورغم ما هو ظاهر على السطح من خلافات شخصية بين “نتنياهو” و”رونين بار” رئيس جهاز “الشاباك” المنصرف ، كشفت صحيفة “معاريف” مؤخرا ، أن جهاز “الشاباك” وبإيعاز مباشر من “بار” ، كان المسئول عن إنشاء وتجنيد ما يعرف بعصابة “أبو شباب” ، وذكرت الصحيفة “الإسرائيلية” أن “بار” اقترح على “نتنياهو” تنفيذ خطة تجريبية ، تبدأ بتجنيد مجموعة من الأشخاص المحليين من “غزة” ، معظمهم متورطون فى قضايا مخدرات وتهريب وسرقات ، وجعلهم عصابة مسلحة تعمل لصالح “إسرائيل” ، واعترفت “معاريف” بعد غيرها من وسائل الإعلام “الإسرائيلية” ، أن كيان الاحتلال تولى تسليح مجموعة “أبو شباب” ، وزودهم ببنادق ورشاشات حديثة من مخازن أسلحة غنمها جيش الاحتلال فى معاركه مع “حماس” و”حزب الله” ، وأن الهدف من الخطة اختبار فكرة فرض نفوذ بديل عن “حماس” فى منطقة محددة شرق مدينة “رفح” ، وبحسب “معاريف” ، فإن الأجهزة الأمنية “الإسرائيلية” لا تتوقع الكثير من النتائج من تشكيل “أبو شباب” ، ولا ترى فيه حتى الآن بديلا واقعيا لحركة “حماس” فى “غزة” ، وأنه لا توجد مؤشرات على قدرة الجماعة على التأثير أو فرض سيطرتها على الأرض بشكل حقيقى ، أو إقامة حكم “شبابستان ” بدلا من حكم”حماسستان” أو”فتحستان” المرفوضين علنا من “نتنياهو” ، ومع بدء عمل ما تسميه واشنطن وتل أبيب “منظمة غزة الإنسانية” ، وهى المدارة من قبل ضباط “مارينز” سابقين ، عمل بعضهم فى حروب العراق وأفغانستان ، عادت جماعة “أبو شباب” للظهور إلى السطح علنا ، وبالذات فى المناطق الواقعة بين شرق “رفح” وجنوب شرقى “خان يونس” ، وهى مناطق واقعة تحت السيطرة العسكرية “الإسرائيلية” ، وتخلو من السكان الفلسطينيين بعد طردهم منها وتفجير منازلهم ، ولا يوجد فيها سوى بضع عشرات البدو من قبيلة “الترابين” التى ينتمى إليها “ياسر أبو شباب” ، وسبق لعائلة “أبو شباب” أن أصدرت بيانا للكافة ، أعلنت فيه تبرؤها منه ومن عمالته للعدو “الإسرائيلى” ، ورفعت حمايتها عنه وأهدرت دمه ، ويعتقد “الغزيون” بأغلبيتهم العظمى ، أن “أبو شباب” وجماعته مسئولون عن سرقة المساعدات ، والاستيلاء بالقوة على شاحناتها الداخلة إلى “غزة” عبر معبر “كرم أبو سالم” ، وما يتبقى من المساعدات بعد سرقات “أبو شباب” ، تضعه قوات “منظمة غزة” الأمريكية فى أربع نقاط محددة ، ثلاث منها فى غرب “رفح” الخالية جنوبا ، والرابعة عند خط “نتساريم” جنوب مدينة “غزة” ، وقد شهدت النقاط الأربع مجازر مروعة لآلاف الفلسطينيين المجوعين الزاحفين لتلك النقاط ، التى تحولت إلى فخاخ موت ، راح ضحيتها حتى الآن نحو مئتى شهيد فلسطينى وآلاف الجرحى ، وهو ما يكشف ذلك التكامل الجارى على الأرض بين جماعة “أبو شباب” وجيش الاحتلال والقوات الأمريكية ، وسعى الشركاء الثلاثة لإكمال تنفيذ خطة دفع الفلسطينيين إلى الجنوب عند الحدود مع مصر ، وإرغامهم برباعية القصف والقتل والتجويع والإخلاء على الاندفاع إلى سيناء ، واتمام خطة تهجير ملايين الفلسطينيين .

   الخطة واضحة ـ إذن ـ بلا التباس ، ومعلنة من قبل العدو فى حملته العسكرية الوحشية المسماة “عربات جدعون” ، وفى إعلان “نتنياهو” المتكرر ، أنه لا نية لوقف حرب الإبادة على “غزة” ولا الانسحاب منها ، حتى لو جرى التوصل إلى وقف إطلاق نار موقوت لستين يوما ، يعود بعدها جيش الاحتلال لاستئناف القتال ، وبهدف السيطرة الدائمة على قطاع “غزة” كله ، وربما استئناف الاستيطان اليهودى فيه ، ودفع أكبر عدد من الفلسطينيين للخروج الجماعى منه ، وفى وضع الاحتلال الدائم ، تقول “حماس” وأخواتها ، أنها ستخوض حرب عصابات واستنزاف متصل لقوات الاحتلال ، تماما كما جرى من قبل فى الجنوب اللبنانى عبر عشرات السنوات ، ومن قبل أن تظهر مقاومة “حزب الله” ، وكان سلوك الاحتلال هو نفسه الذى يستنسخ الآن مع تشكيل جماعة “أبو شباب”، فعقب الاجتياح “الإسرائيلى” للجنوب اللبنانى عام 1978 باسم “عملية الليطانى” ، لجأ كيان الاحتلال إلى جماعة عمالة محلية ، عرفت باسم “جيش لبنان الحر” أو “جيش لبنان الجنوبى” ، كانت قد تأسست بمدينة “مرجعيون” فى سياق الحرب الأهلية اللبنانية عام 1976 ، وكان خصوم “الجيش الجنوبى” فى أول الأمر “منظمة التحرير الفلسطينية” و”حركة أمل” و”الحزب الشيوعى اللبنانى” وحركة الناصريين المستقلين “المرابطون” ، ثم أصبح “حزب الله” هو العدو الجديد بعد الاجتياح “الإسرائيلى” الأوسع عام 1982 ، كان مؤسس الجيش العميل هو الرائد فى الجيش اللبنانى الرسمى “سعد حداد” ، وكان عدد أفراد الجيش ـ إياه ـ نحو ثلاثة آلاف فرد ، ظلوا يتقاضون رواتبهم الرسمية ، إلى أن أوقفتها الحكومة اللبنانية عام 1990 ، قبلها كان “حداد ” قد توفى بمرض السرطان عام 1984 ، وخلفه “أنطوان لحد” ، الذى ذهب بعيدا فى العمالة لقوات الاحتلال ، وأنشأ معتقل “الخيام” لاحتجاز وتعذيب المقاومين اللبانيين لقوات الاحتلال ، وتعرض “لحد” لمحاولة اغتيال نفذتها الفدائية اللبنانية “سهى بشارة” فى نوفمبر 1988 ، أدخل على إثرها إلى وحدة العناية المركزة فى مستشفى “رامبام” بمدينة “حيفا” المحتلة ، وبعد التعافى النسبى ، قام بترقية نفسه إلى رتبة “فريق أول” ، وكان جيش الاحتلال يزوده بالحماية والدعم والسلاح ، وإلى أن ظفرت مقاومة “حزب الله” فى حرب الاستنزاف الطويلة ، وقررت حكومة الاحتلال سحب جيشها من الجنوب اللبنانى بغير قيد ولا شرط فى 25 مايو 2000 ، ووجد جيش العملاء نفسه فى المتاهة ، استولى “حزب الله” على أسلحته ، واعتقل عددا من قادته وسلمهم لمحاكمات الحكومة اللبنانية ، فيما هرب “أنطوان لحد” نفسه مع معاونيه الكبار إلى داخل كيان الاحتلال ، وحصل على الجنسية “الإسرائيلية” ، بعد أن حاول الذهاب إلى “فرنسا” التى تخلت عنه ، وانتهى إلى إدارة مطعم فى “تل أبيب” حتى وفاته فى سبتمبر 2015 ، وقد تكون “جماعة أبو شباب” الفلسطينية قليلة العدد اليوم قياسا إلى جيش “سعد حداد وأنطوان لحد” ، وتذهب تقديرات أعدادها إلى ثلاث مئات وليس آلافا ، إلا أنه لا شئ يمنع تكاثرها إن استدام احتلال “غزة” ، ربما سوى الطبيعة الكفاحية المذهلة لأبناء “غزة” ، وقد يشعر العملاء اليوم ببعض الأمان الزائف ، مع تدخل قوات الاحتلال وطائراته مباشرة لحماية جماعة “أبو شباب” من هجمات مقاتلى المقاومة الفلسطينية ، لكن نهاية “أبو شباب” ستكون غالبا أسوأ من نهاية “لحد” ، ولن تمنحه الحكومة “الإسرائيلية” جنسيتها ، وبالذات إن جرت الإطاحة “الإسرائيلية” بحكومة “نتنياهو” . 

   وقد لا تخطئ العين البصيرة حماسا فى بعض إعلام عربى لأمثال جماعة “أبو شباب” ، تدفع إليه عداوة مستحكمة مع “حماس” وأخواتها ، أو رغبة مشفوعة بأفعال آثمة فى مساندة وتحالف عملى مع كيان الاحتلال ، ومن وراء لافتات تدعى “عروبة” هى منهم براء ، وسخاء فى دفع تريليونات الدولارات إلى “دونالد ترامب” القائد العام لحرب الإبادة الجماعية الأمريكية “الإسرائيلية” للفلسطينيين فى “غزة” والضفة والداخل المحتل ، وتلك مأساة مفزعة تكابدها الأمة اليوم ، إذ يصعد الخونة على “راس السطح” ، ويؤذنون ويعظون باسم الشعوب المنكوبة ، شاهت الوجوه والنفوس الوضيعة .

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights