مقالات وأراء

“عبدالحليم قنديل” يكتب: خطة ترامب .. نزع ” فلسطينية” فلسطين ..

المحصلة بوضوح أن لاشئ سيتغير إن جرى تطبيق الخطة الأمريكية "الإسرائيلية" ..

  حتى وقت كتابة هذه السطور ، لم تكن حركة “حماس” ولا فصائل المقاومة الفلسطينية أعلنت بعد موقفها بصدد ما تسمى خطة الرئيس الأمريكى “دونالد ترامب” ، وقد لا أرجح أن تعلن “حماس” قبولا تاما ولا رفضا كاملا لنقاط الخطة العشرين ، والأسباب مفهومة ، ليس فقط بسبب ضغوط رسمية عربية وإسلامية مكثفة ، وإنما بسبب نقاط تبدو إيجابية فى عناوين الخطة نفسها ، من نوع وقف حرب الإبادة للحرث والنسل والبشر والحجر فى “غزة” ، والبدء بنقل مكثف للمساعدات والإغاثات عبر وكالات الأمم المتحدة ، إضافة لوعود ضبابية عامة بمنع تهجير السكان إلى خارج فلسطين ، وإعادة إعمار القطاع مع بقاء أهله فى أراضيه ، والسماح بعودة من خرج مضطرا ، والإقرار الصورى بانسحاب قوات الاحتلال من غالب “غزة” ، ورفض الاحتلال الدائم لقطاع “غزة” لا كليا ولا جزئيا ، وإلى غيرها من وعود إن جرى تنفيذها ، فقد تعنى وقفا موقوتا لوجع وعذاب الفلسطينيين الأسطورى ، وربما التقاط الأنفاس لمواصلة رحلة التحرير الوطنى الفلسطينى الممتدة إلى عشرات السنوات المقبلات ، وكلها عناصر تفهمها حركة “حماس” وأخواتها ، فلا مقاومة تتصل وتنمو ، دون أن تأخذ فى حسابها حساسية الوضع الشعبى فى لحظة تاريخية حرجة .

 لا أحد عاقل يمكنه الثقة فى كلام “ترامب” وشريكه “بنيامين نتنياهو”

  وقد تبدو بعض العناوين براقة ، لكن الشياطين تسكن فى التفاصيل ، وقبلها فى عنصر الثقة المفقود بما يطرح عموما ، ولا أحد عاقل يمكنه الثقة فى كلام “ترامب” وشريكه “بنيامين نتنياهو” مجرم الحرب رئيس وزراء العدو ، فالخطة تشترط إفراج “حماس” فورا عن كل “الأسرى” الصهاينة أحياء وأمواتا ، وما من جداول زمنية مقررة لانسحاب الاحتلال من “غزة” ، الذى قيل أنه سيجرى على مراحل متدرجة ، ولا يوجد حتى إقرار مبدئى بانسحاب كامل ناجز من “غزة” ، وبحسب الخريطة المرفقة ، فسوف يحتفظ الاحتلال بوجوده الدائم فى حزام أمنى يطوق “غزة” من الشرق والجنوب ، ولم يترك “نتنياهو” فرصة للمتفائلين حتى بقصة الانسحاب غير الكامل ، وقال بوضوح قاطع ، أن “الجيش الإسرائيلى” سيبقى فى “غزة” ، وأن قوات الاحتلال ستبقى على السيطرة الأمنية الكاملة بوسائل شتى ، بينها التنسيق مع ما تسمى “قوة الاستقرار الدولية” المشار إليها فى الخطة ، وهى مكونة من قوات عربية وإسلامية وغيرها بإشراف أمريكى ميدانى قيادى ، يراقب دورها فى نزع سلاح “حماس” وفصائل المقاومة الفلسطينية ، وتدمير مخازن السلاح والأنفاق وورش تصنيع السلاح ، وترتيب نفى قادة المقاتلين عبر ممرات خروج آمن ، وهو ما يعنى ببساطة إن جرى لا قدر الله ، أن تتورط قوات عربية ـ ودعك من هذه “الإسلامية” ـ فى اشتباكات دامية مع المقاومين الفلسطينيين ، وحرف وجهة القتال الجارى حاليا فى “غزة” ، وتحويله إلى صدام عربى مع الفلسطينيين ، أى أن تقوم قوات عربية بما عجزت عنه قوات الاحتلال عبر سنتين مضيتا من حرب الإبادة ، فوق أن قوات الاحتلال ستحتفظ فى كل الأحوال بحرية المبادرة ، والمسارعة إلى قصف وقتل وتدمير ما تريد فى الوقت الذى تريده ، على طريقة ما يفعله كيان الاحتلال فى الجنوب اللبنانى وفى الجنوب السورى وصولا إلى دمشق وكل النواحى .

  بذلك نقنن عمل مجموعات عميلة للاحتلال

والمحصلة بوضوح ، أن لاشئ سيتغير إن جرى تطبيق الخطة الأمريكية “الإسرائيلية” ، اللهم إلا استجرار مشاركة عربية رسمية فى احتلال “غزة” ، حتى لو جرى استقدام آلاف من الشرطة الفلسطينية المدربة فى أقطار عربية مجاورة ، وكأننا بذلك نقنن عمل مجموعات عميلة للاحتلال شبيهة بعصابة “ياسر أبو شباب” وغيرها ، ونجعل من خدمة العدو واجب الوقت الفلسطينى والعربى ، ونضيف حربا أهلية فلسطينية بغطاء عربى ودولى ، وعلى نحو يذهب بالتعاطف مع قضية “غزة” إلى خبر كان ، فلن يعود أحد يعرف من يحارب من فى “غزة” ؟ ، مع إراحة كيان الاحتلال من عبء ووزر الدم الفلسطينى ، خصوصا مع غياب أى سلطة فلسطينية على الأرض طبقا للخطة المسمومة ، فلجنة “التكنوقراط” الفلسطينية المقترحة ليس بيدها قرار حاكم ، وهى تحت إشراف حصرى من قبل ما أسماه “ترامب” مجلسا للسلام ، يترأسه بشخصه ، ويضم أسماء من غير الفلسطينيين باستثناء وجود صورى لأحدهم ، ويديره فعليا “تونى بلير” رئيس الوزراء البريطانى الأسبق سئ السمعة ، الذى عرف بدوره الذيلى فى حرب غزو وتدمير العراق ، وكانوا يطلقون عليه صفة “ذيل الكلب” الخادم لسيده الأمريكى ، وقد استأجرته دولة عربية غنية لأداء أدوار واستشارات مريبة ، تماما كما تصورت دول عربية غنية أنها استأجرت “ترامب” وصهره “جاريد كوشنير” بمئات مليارا ت الدولارات ، وقد أدى الثلاثى المذكور أدوارهم بعناية فى إعداد الخطة المعدة لهدف أبعد من تصفية المقاومة الفلسطينية ، وبإطلالة لصيقة من “نتنياهو” نفسه ، الذى يشارك فى اختيار أسماء مجلس حكام “غزة” المقترح ، وبينها أسماء عربية معروفة بكراهتها الفطرية والمكتسبة للفلسطينيين وقضيتهم .

 الخطة تفرض انتدابا أمريكيا هجينا على “غزة”

  وفى الإجمال والتفاصيل ، تتعامل الخطة مع “غزة” كأنها أرض بلا شعب ، وتنزع كل معنى فلسطينى عن “غزة” والأراضى الفلسطينية المحتلة كلها ، وتفرض انتدابا أمريكيا هجينا على “غزة” ، ومنها إلى الضفة والقدس المحتلة ، فقد كانت الخطة عند أول طرحها إعلاميا ، تضم واحدا وعشرين نقطة ، ثم جرى حذف نقطة ، روجت لها أطراف عربية و”إسلامية” ، كانت تتحدث عن “خلق مسار” إلى طموح الدولة الفلسطينية المستقلة ، وجرى إلحاق المعنى بعد تحويره إلى معنى آخر ، يتحدث عن استيفاء “السلطة الفلسطينية” لشروط ما يسمونه “الإصلاح” ، ولم يدع “ترامب” الذى لا يغلق فمه فرصة للتخمين ، وتحدث عن أولوية “الإصلاح” بتغيير مناهج التعليم الفلسطينى ، وليس فقط بتوسيع وتعميق “التنسيق الأمنى” مع “إسرائيل” ، أى أن المراد محو ذاكرة الأجيال الجديدة من الفلسطينيين ، وإقناعهم بأن “إسرائيل” هى الأصل المستعاد على أراضى فلسطين كلها من نهر الأردن إلى البحر المتوسط ، وأن يصبح الفلسطينى الجديد فى مستوى جهالة “ترامب” بالقصة الفلسطينية كلها ، وقد قال فى لغو كثير وهو يتحدث عن خطته ، أنه سأل متى بدأت الحرب فى الشرق الأوسط ؟ ، وأن من سألهم أخبروه ، أن الحرب بدأت منذ ثلاثة آلاف سنة (!) ، ولا حاجة بالطبع للسؤال عن هوى الذين سألهم ، فهى السردية الصهيونية التوراتية المكذوبة ، التى تدعى أنهم عادوا لأراضى “يهودا” و”السامرة” ، وإلى حيث كانت مملكة “داوود” و”سليمان” و”الحشمونيين” من بعدهم ، وهى لم تكن سوى ممالك صغيرة فى نطاق شريط أرض ضيق فى القدس وبقربها ، وجدت ثم بادت بعد سنوات عابرات ، بينما كان الوجود العربى الفلسطينى سابقا ولاحقا لآلاف السنين على أرض فلسطين التاريخية كلها ، إضافة لما هو معروف حتى للمبتدئين ، وحقيقة أن يهود العصر الحاضر فى أغلبهم الساحق مقطوعو الصلة بيهود التوراة ، وبممالكهم العابرة فى الزمن العابر الغابر .

خطة “ترامب” تعيد سيرة القضية الفلسطينية قرنا كاملا إلى الوراء 

 وبالجملة ، فإن أخطر ما فى خطة “ترامب” المطروحة ، أنها تعيد سيرة القضية الفلسطينية قرنا كاملا إلى الوراء ، وتفرض على فلسطين انتدابا أجنبيا كامل الأوصاف ، ومن دون سند دولى ولو كان صوريا ، على نحو ما كان عليه الانتداب البريطانى القديم بقرار من “عصبة الأمم” ، وقد كان الانتداب البريطانى مع “وعد بلفور” وما لحقه ، كان الغطاء لعمل الحركة الصهيونية والوكالة اليهودية حتى إقامة هذه “الإسرائيل” فى نكبة 1948 ، ثم احتلال “إسرائيل” لما تبقى من الأرض الفلسطينية فى عدوان 1967 ، والمقصود بالانتداب الجديد ظاهر من عنوانه ، فليس المطلوب فقط اجتثاث “حماس” وأخواتها من فصائل المقاومة ، بل نزع الصفة الفلسطينية عن أراضى فلسطين كلها ، واستثمار الرغبة الإنسانية فى وقف أو تخفيف وطأة مذابح الإبادة ، والانتقال إلى فرض واقع يخلو من أى تمثيل فلسطينى ذى مغزى مؤثر ، اللهم إلا من باب الخدم للسيد الأمريكى “الإسرائيلى” ، فليس من سلطة متاحة فى الخطة لحركة “حماس” ولا لإدارة الرئيس “محمود عباس” ، مع كسب الوقت اللازم لضم وتهويد الضفة الغربية بعد تهويد وضم القدس ، وقد تفاخر “ترامب” بقراره الاعتراف بضم “القدس الموحدة” لكيان الاحتلال ، وقال أن أطرافا عربية و”إسلامية” حاولت التواصل معه وقتها ، وتحذيره من عواقب وخيمة ، وأنه تجاهلهم جميعا ، ودون أن يحدث أى رد فعل فوق كلامى ، وها هو يكررها اليوم ، ولا يورد فى خطته المنشورة حرفا واحدا عن رفض ضم الضفة الغربية ، مع قيامه عمليا بضم “غزة” فعليا إلى الملكية العقارية الأمريكية ، والتمهيد لتهجير “طوعى” “ناعم” للفلسطينيين من “غزة” ، مع الاستعداد لدفع مغريات وتعويضات لازمة من أموال دول عربية غنية ، تقول اليوم أنه لا يوجد حل آخر ، فهم يريدون التخلص من “وجع رأس” القضية الفلسطينية ، وهو ما لن يحدث أبدا ، مهما دبروا وخططوا ودفعوا .

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com
Verified by MonsterInsights